د. عبدالواحد الحميد
حين نتصدى بالنقد لبعض مظاهر القصور في التجربة التنموية الوطنية فهذا لا يعني إنكاراً أو تجاهل النجاحات المذهلة التي تحققت لبلادنا ونقلتها من دولة بالغة الفقر والتخلف قبل عقود ليست ببعيدة من عمر الزمن إلى دولةٍ تقف شامخة ضمن أهم عشرين دولة في العالم من حيث قوتها الاقتصادية.
ولا يعني انتقادنا للمظاهر السلبية إنكار ما تحقق من نجاحات مذهلة في خفض معدلات الأمية وزيادة نسبة المتعلمين وأصحاب المؤهلات من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والعلماء والأدباء والمثقفين. وقد كنا في وقتٍ سابق نعيش على هامش الحركة الثقافية في الوطن العربي؛ واليوم أصبح لدينا أدباء وشعراء ومبدعون في الصف الأول من الحركة الثقافية والإبداعية العربية.
إنني حين أستمع إلى ما تبثه بعض الفضائيات العربية، وبخاصة تلك التي تتبنى مواقف سلبية مسبقة من بلادنا، يتبادر إلى ذهني أن المتحدثين والمتداخلين يتكلمون عن بلد لا أعرفها وكما لو أن بلدانهم وليس بلادنا هي التي تتمتع ببحبوحة العيش ولديها جامعات ومستشفيات وطرق سريعة وشرائح متعلمة!.
هذا الاستخفاف التاريخي الذي يجترونه ويكررونه عندما يطلقون علينا صفة «الأعراب» بنبرة متعالية متورمة يدل على جهلهم عن واقعنا اليوم أو على سوء نيتهم أو عليهما معاً، علماً بأننا لا نتنكر لأصولنا العربية ولا لجزيرتنا العربية بتاريخها الذي هو تاريخ العرب وإسلامها الذي أشرق من هنا ليضيء كل أصقاع العالم.
نعم نحن ننتقد المظاهر السلبية لتجربتنا التنموية لأن الكمال لله وحده، لكننا ندرك مدى التقدم الذي حققناه والمستوى الذي وصلنا إليه، ونعرف الأوضاع البائسة التي تغرق فيها تلك البلدان الشقيقة التي يتحدث بعض أهلها عنا بكبرياء مفتعلة كاذبة.
سيقولون إن البترول هو الذي صنع ما نحن فيه من تقدم وتنمية، ونقول إن البترول موجود أيضاً في العراق وفي ليبيا وفي غيرهما من البلدان الشقيقة التي ينعق البوم على أطلالها.. بل إن بعضها لديها ما هو أهم من البترول: لديها المياه الغزيرة، والتربة الخصبة، والمواقع الإستراتيجية، والتعداد السكاني، والموارد المعدنية، والغابات، والثروات الحيوانية والزراعية! ومع ذلك لم تحصد في مسيرتها التنموية سوى الخيبة والخراب والحروب والصراعات الطائفية والانقسامات بفضل السياسات الحمقاء والعنتريات البائسة.
التنمية لا تصنعها الخطب العصماء ولا الأشعار الحماسية وإنما العمل الجاد الذي قد يصيب فيه المجتهد وقد يخطئ ولكنه يتعلم من أخطائه ويمضي قُدُماً إلى الأمام في بلد يتمتع بالأمن والاستقرار.. ولهذا نحن ننتقد الجوانب السلبية في تجربتنا التنموية لكننا ندرك حجم النجاحات التي تحققت وتتحقق، ونتفاءل بمستقبل مشرق لهذا الوطن الذي هو منبت العروبة ومهد الإسلام.