د. خيرية السقاف
من البدهي أن شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سماوية، تنظم العلاقة البشرية من خلال منظومة قيم التعامل،والتبادل، وإحقاق الحق، وسلامة الفرد, والجماعة, وهي تنهى بذلك عن الجور, والتعدي, وظلم الآخر بأي نوع من الإفساد.., كي تسير الحياة على وتيرة من الوعي بها، وبمن يشاطرون الفرد معاش اليوم فيها.
ومن أهم سمات من يؤديها يقينه التام بأنها ليست عصا يجور بها على الناس, ولا تخول له ظلمهم،أو الاعتداء عليهم بفهم خاطئ لدورها حين يقدر للفرد أن ينضوي ضمن أفرادها، بل هي بالغة الأهمية لأن تسند لمن يتحلى بفهم الأنظمة التشريعية في علاقات الفرد, وخلق التعامل الراقي عن علم وخشية, من مسؤوليها صغيرهم وكبيرهم في الميدان حين يتعاملون مع كل من يمشي في السوق،أو يقطن في الجوار، أو يتفاعل مع مقدرات المجتمع..
وقد تطورت آليات الضبط، لكنها لا تغني عن تأهيل الأفراد فيها طالما أنها مؤسسة اجتماعية ذات سلطة رقابية لا تعدو أن تكون للتوجيه, والتنبيه, والتحفيز، والنهي، والإفادة، والإبانة، ورد المنكر إلى نظام العقوبات المشرع في النهج الأساس حسب تدرج نوع المنكر المضبوط..
فمن سماتهم التحلي بالرفق ليزين العمل، والتمثل بالخلق النبوي الشريف في الستر, والتهوين لا التهويل, والاحتواء والتذليل, وتلافي المبالغة في فهم خطأ المخطئ, وتأويله, وفي التحلي باللسان الرطب, والقول الجميل، و سماحة الوجه، وسعة الصدر عند التعامل مع الأفراد, وتحديدا الشباب منهم بمعرفة خصائصهم، والأساليب التربوية في التعامل معهم..
وهناك سِفرٌ مسطرٌ بخيوط من نورٍ خضراء في سيرة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام, ثم خلفائه الراشدين رضي الله عنهم, وصحابته، في تعاملهم بهذه الشعيرة عندما ربوا الجيل المسلم الأول, ووجهوه إلى السلوك القويم، بمعرفة تامة بعين الله تعالى التي ترى، وربطوا هذا الفهم لديهم ولديه بمنهج الإحسان..
لذا توطدت القيم، وساد الأمن, ونام الناس حينذاك وهم عصبة من الأخلاق, وكفوفا تتشابك في مجتمع طاهر,_ قدر الإمكان _ إلا ما كان من نزعات البشر, فيعيدهم الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر بلين, ورفق، وتوجيه حسن، بأدلة، وبراهين إلى حياض التطهر منها...!
لكن في هذا الزمن، وفي مرحلة هذا الهدير من المختلطات, وفي ضوء تحلل الكثير من أنسجة القوامة, والتربية الجيدة, مع متغيرات الاندماج بمختلف المكتسبات تغيرت الكثير من قيم الناس، وأفكارهم، وانعكست على سلوكهم فكثر الخطأ الموجب للنهي، والرذيلة المستحقة للأمر بالمعروف..
لذا وجبت المتابعة الواعية، ووجب اتباع المنهج التعليمي والتدريبي الذي يؤهل رجالها من القيام بعلم, ووعي, وضابط،قبل النزول للميدان ليكونوا أنفسهم شعارا لقيم التعامل التي حث عليها، وأداها رسول الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام..
فأن يقر فضيلة الرئيس العام لهذه الهيئة الشرعية استحداث دبلوم تدريبي يؤهل فيه رجل الميدان فيها لمعرفة أصولها،والأخذ بالعمل بقيمها, والتمكن من معارفها لهي الخطوة الأولى في دعامة هذه الشعيرة على أصولها في المجتمع..لتلافي أخطاء الميدان التي كانت فادحة، وتعرض الكثير من الناس للظلم، وعدم الفهم من أفرادها.. إذ لا تزال الكثير من الآثار السالبة في واقع بعض المتضررين من أخطاء سبقت عن أفراد لم يكونوا مؤهلين كما ينبغي لأدائها..!
نحي هذه البادرة من معالي الدكتورعبدالرحمن السند، وجامعة أم القرى، ونؤكد على ضرورتها.., ونتطلع لميدان فيه الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر عونا للسلام بين الأفراد, والجمال في مضمار المجتمع..