سمر المقرن
لا أحد ينكر المتغيرات التي حدثت في المجتمعات بعد تسلل مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات التقنية عبر نوافذ الهواتف الذكية، وما واكبها من انفتاح على الصعيد الفكري والاجتماعي بين بيئات مختلفة.
على الصعيد المحلي، وإن قلت المحلي هنا فبالتأكيد يكون الحديث عن الدول الخليجية بشكل عام، وهذا أهم متغير بعد دخول وسائل التواصل حيث تعرف الناس على بيئات قريبة منهم لم يكن التغلغل لها سهل في وقت سابق بسبب انغلاق كل بيئة على نفسها، ومن ثم بدأ الناس بنشر يومياتهم وحياتهم حتى أصبحت معروفة للجميع، وتقبلها الآخر لتتحول المشاكل الصغيرة في كل مجتمع قروي أو مدني تتسع دائرتها لتكون همّا عاما، وهذا ما حدث بالضبط حيث ساهمت التقنية بالفعل في ترابط المجتمعات الخليجية بشكل أكبر.
ولو عدنا لزمن قريب لم يكن يعرف مثلا ابن الشمال السعودي الكثير عن عادات وثقافات أهل الجنوب ولم يكن يعرف ابن القصيم إلا النزر اليسير عن أقرانه في الحجاز، ومن ثم اتسعت الدائرة ليصبح ابن جدة مطلعا جيدا على ما يحدث في الكويت ولأبناء الرياض ولأصدقاء في أبو ظبي ومسقط والمنامة، وأي حدث مأساوي أو اجتماعي هام تتسع دائرة الاهتمام به لدول عربية أخرى أيضا وهذا أمر ملحوظ ويحتاج وقت كما حدث مع انكشاف الدول الخليجية على بعضها البعض.
والمجتمعات التي كانت مقيدة بأيديولوجيات معينة وعادات محددة، كانت تستهجن الغريب وتريد أن «يمشي» الجميع بفكره وبالطريقة التي يدار فيها بيتهم الصغير، ولكن التقنية فتحت أمامه نافذة كبيرة بلا ستائر يرى من خلالها عادات أخرى للناس وأفكارا يجب احترامها وما هو عيب في مفهومه فهو أمر عادي لدى الآخرين، وإن لم يرد الرؤية فعليه إغلاق عينيه. ولا زال البعض يحاول جاهدا استخدام وسائل التواصل كأداة لمحاربة كل «مختلف» ولكن هؤلاء تجاوزهم الزمن وسيعودون مرغمين لاحترام الآخر. وكل المجتمعات المدنية الحديثة والمتقدمة مرت بهذه التجربة ولكنها ما احتاجته من سنين طوال حتى تصل لمفهوم احترام الآخر دخلنا نحن ومجتمعاتنا فيه خلال سنوات قليلة مع وسائل التواصل، ولم يكن لنا من وسيلة أخرى غير تلك التقنية ليخرج كل منا من داخل قوقعته ويدرك أن هناك آخر وآخرين.
كل ما فات أمور محمودة وكنا نحتاج إليها، ولكن اندفاع الناس تجاه نشر خصوصياتهم بلا حدود في الفضاء أمر يحتاج توعية، وحجم البيانات الهائل الذي يدخل إلى أدمغة المراهقين يحتاج لإدراك أسري ومجتمعي بخطورته، وحريّ بنا أن نتذكر أن كثير من المنظمات الإرهابية مثل داعش جندت الفتيان والفتيات عبر وسائل التواصل، فهذا الانتقال الكبير بين جيل الورق وجيل «النت» سيخلق فجوة ولا شك، ولكن علينا التعامل مع هذه الفجوة بالتوعية والتحذير من نشر كل شيء وكل الخصوصيات بلا وعي، لأن هذه الفجوة قد تتحول لباب مفتوح على مصراعيه لدخول حصان طروادة!