د. محمد البشر
الشعب العراقي المكلوم واقع بين مطرقة داعش وسندان الحشد, فداعش التي جندت الأجناد لقتالها, وحملت الطائرات أثقالها, وانفقت الدول مالها, للقضاء عليها, ظلت صامدة لم تمت, ولم تقترب إلى حافة الموت, رغم أن أفرادها يموتون جراء القصف والحرب على أكثر من جهة, وربما أن قدرتها على جلب وجوهٍ جديدة, طالبة للموت, وقابلة له, أكبر مما تخسره من أفراد في حلبة القتال.
داعش كائن غريب في فكره, وقدرته وأسلوبه, وهو أحد المصائب التي أصيبت بها منطقتنا العربية, وفيما يبدو أن التعامل معها يحتاج إلى أسلوب خاص للتعامل غير النمط المعتاد حتى يمكن القضاء عليها, كما فعلت إيطاليا ونيويورك وشيكاغو مع المافيا, لكن يتضح حتى الآن أن الأساليب والخطط المتبعة لم تجد نفعاً في القضاء على هذه الظاهرة السيئة والخطيرة.
داعش فكر تحول إلى عمل, ولذلك أسبابه, لكن الواقع هو الذي يجب التعامل معه, مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي دعت إلى نشوئه, وأظن أنه لا يخفى على معظم المتابعين, أن مكوناً عراقياً بعينه قد نال السلطة, وأراد البعض منهم من خلالها فرض نهجه على الجميع, وإقصاء ما سواه بطريقة فجة, وواضحة للعيان, دون أدنى لبس, فكان تطرفاً مماثلاً, مثل داعش وهكذا كل تطرف لا بد له من مقابل.
لقد كانت القيادات واتباعها في منأى عن هذا الشعب الذي يستحق كل الاحترام والتقدير, فالشعب العراقي الكريم شعب أرسى قواعد الحضارة الإنسانية, وأضاف إلى العالم علماً وثقافةً, تحتاج كثير من الدول إلى قرون حتى يمكنها تقديم ما قدمه الشعب العراقي العريق.
كم هو محزنٌ حقاً أن تخرج في العراق ظاهرة مثل داعش, وكم هو ثمنٌ غالي قدمه الشعب العراقي نظير فكر فردي في السابق, وأيدلوجيا في ذهن البعض أججت المشاعر, وألهبت الصدور, فكان ما كان وظهر هذا الداء الذي مازال أطباء السياسة عاجزين عن علاجه, كما أن سادة آلات الحرب مازالوا قاصرين عن القضاء عليه لسبب أو لآخر, فظل هذا الجسد الأصيل في ذاته, الغريب في فكره قائماً ثابتاً، يتقدم تارة, وينحسر تارة أخرى, لكنه مازال موجوداً, يجلجل بأقواله وأفعاله فيتبعه - مع كل أسف - مجاميع جديدة, ويتعاطف معه آخرون, ربما ليس حباً فيه, وإنما خوفاً من سيادة مناوئيه ذوي الأفكار المتناقضة.
الحشد الشعبي, هو مكون آخر من مكونات الشعب العراقي العزيز, إن ظل كما رأينا وسمعنا وعلمنا من قبل, بفكره, وقتله, وظلمه, وتطهيره لغيره, فدخوله في دوامة الصراع يعني مزيداً من القتل للشعب العراقي, ودمار لأرض العراق وحضارتها, وسواء قتل عدد من هذا المكون, أو ذلك, فهم جميعاً عراقيون عاشوا مع بعضهم عبر السنين وظلوا كذلك, حتى وأن نقل لنا التاريخ بعض الوقائع المؤلمة التي لم تدم طويلاً.
الحشد الشعبي, عاقد العزم على مواجهة داعش, بمباركة من الحكومة العراقية, وربما دول أخرى ذات نفوذ في العراق, ولا أحد يعلم أن كان الفكر قابل للتغيير في فترة وجيزة, لينتقل من الحقد إلى المحبة, ومن الأيدلوجيا المنغلقة إلى الانفتاح على الغير, ومن الكره إلى المودة, إن كان الأمر كذلك, فقد يكون ذلك أيضاً ممكناً مع داعش, لاسيما أن المكونات في كلا الجانبين تتشكل من العراقيين مع خليط من شعوب شتى, والتي تتبنى هذا الفكر أو ذلك, سواء داعش أو الحشد.
أعتقد أن الحشد وداعش معاً لا يمكنهم التخلي بسهولة عن أفكارهم التي ترسخت في عقولهم, وآمنوا بها دون دراية أو استعداد للتفكير بالعقل والمنطق, فقد أجر كثيراً منهم عقله إلى قياداته ظناً منه أن ذلك سيدخله الجنة, ولا أحد يمكنه أن يصدق أن يصل بعقله إلى هذا البيع الرخيص لقادة دينيين وسياسيين, ليس لهم سوى مصالحهم, وهم ينعمون بالمال والسلطة والجاه. وبقي هؤلاء البائعين لعقولهم حطب هذه المطامح التي ينعم بها القادة السياسيون والدينيون لهذه الأفكار البعيدة عن الإسلام.
الإسلام دين المحبة, والسلام, والتسامح, وحب الغير, حب الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين, هذا هو الإسلام الذي يرتكز على القرآن الكريم, ونهج المصطفى صلى الله عليه وسلم. ألهمنا الله وإياكم طريق الرشاد.