محمد آل الشيخ
كثيراً ما يَطرح هذا السؤال الذي جاء عنوانا لهذا المقال بعضُ الفعاليات السياسية والإعلامية في القنوات الفضائية وكذلك في صحف الخارج؛ ويطرحه أيضا - ولكن من منطلقات حسنة - بعض أصحاب النوايا الصادقة من الخليجيين؛ كما يَتخذ منه عرب دول الشمال المتفرسين، خاصة في لبنان، ذريعة للدفاع عن دولة الملالي، وسياساتهم التوسعية في المنطقة.
لكل هؤلاء أقول: السبب مباشرة ودون مواربة، هو أن بقاءنا كدول عربية خليجيية، مستقلة ومكتملة السيادة، يتناقض مع طموحات وأهداف دولة الملالي في إيران وشرعية بقائها؛ وهذا - بالمناسبة - ليس وليد الأزمة الراهنة في اليمن، وإنما منذ أن تربع الخميني على عرش الشاهنشاه في إيران، وأعلنها دولة إسلامية في الظاهر و(كِسرَوية) في المضمون، وأنها لن تكتفي بالجغرافيا الإيرانية مجالا لسلطتها وهيمنها، وإنما ستُصدّر ثورتها، لتتمدد وتتوسع، وتبتلع من حولها من الدول العربية، وتحديدا دول الخليج العربي.
بمعنى أن الفرس الملالي هم من بادرونا بالعداوة والهجوم، وأعلنوا على رؤوس الأشهاد استراتيجياتهم ونواياهم وأهدافهم، ثم ابتدءوا بتفعيلها على الأرض بغزو البلاد العربية من خلال وكلائهم الشيعة الصفويين المتفرسين، فاحتلوا حتى الآن ثلاث دول عربية، كما يتبجح بعض ملاليهم الرسميين، وحاولوا أن تكون اليمن الدولة الرابعة، لكنهم باءوا بالفشل.
لذلك فنحن حينما نفاوضهم على خلافاتنا معهم حول اليمن، فسوف يُفسر قبولنا بمجرد التفاوض أننا نعترف ضمنا بسيادتهم على الجزر الإماراتية المحتلة، وكذلك بانتقاصهم سيادة العراق وسوريا ولبنان، ونقر تدخلاتهم في شؤونها، وتشتيت لحمة شعوبها، وانتقاصهم من استقلال قراراتها؛ وكل هذه القضايا كلٌ لا يتجزأ، وحين نحصر المشكلة (فقط) في اليمن؛ فهذا ما يرمون إليه؛ فهم - وهذا لا شك لدي فيه - سيتخلون عن اليمن قطعا بعد هزيمتهم فيه، ويضربون بحلفائهم هناك عرض الحائط ويبيعونهم، مقابل أن يحتفظوا بالجزر الإماراتية وبقوتهم ونفوذهم في دول عربية أخرى، وهذا ما يطمحون إليه (مرحليا) وتكتيكيا، وسوف يظهرون ربما تراجعا تكتيكيا، وينتظرون، ويتحينون الفرص، وحين تلوح فرصة، أو تكتنف المنطقة متغيرات جديدة لاحقا، سيعودون إلى تنفيذ ما لم يحققوه من أهدافهم.
كل ما تقدم يُسوغ القول بأن خلافنا مع الملالي ليس خلاف مصالح متقاطعة ومتنافرة، حتى نصل معهم إلى نقطة وسط، من خلالها نضع خطا فاصلا بين ما لنا ومالهم، وإنما هو خلاف وجود، ينتهي في المحصلة بوجودنا أو بوجودهم، وليس ثمة منزلة وسطى بين المنزلتين؛ هذا هو اختيارهم الاستراتيجي عند ثورتهم وليس اختيارنا، وهي كذلك ما نقرأ من تصريحاتهم وما نلمسه في سياساتهم، منذ خميني وحتى خامنئي.
اليوم وانطلاقا مما آلت إليه معركتنا معهم في اليمن من مآلات، اتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك بُعدين جوهريين؛ أولهما: أننا وسيادتنا بل ووجودنا مستهدفون. والبعد الثاني الذي كشفته عاصفة الحزم، وهوتخليهم عن حلفائهم: إنهم مجرد نمر ورقي مزيف، أو أنهم ثعبان ضخم، قد يزعجك فحيحه، لكنه بلا أنياب، فاتخذت القضية بيننا وبينهم مسارا آخر، غير المسارات التي كانت قبل العاصفة.
وفي تقديري الشخصي، وكما تؤكده عاصفة الحزم، وما انتهت إليه من حقائق، وانطلاقا من سلوكيات المملكة ودول الخليج في المنطقة وسياساتهم، فليس لدى المملكة ودول الخليج في ظني مانعا بمفاوضتهم، والجلوس معهم لحل المشاكل العالقة، ولكن على أسس واضحة، ونقاط محددة، منذ البدء، وقبل التفاوض، تكون على رأس أجندتها، تنحية الأيديولوجيا جانبا، واعتماد المصالح غير الأيديولوجية مجالا نتناقش حوله بوضوح وشفافية، مع بقاء دول المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج العربي وكذلك بقية الدول العربية، مستقلة، وذات سيادة مطلقة وغير منقوصة، ولا يتدخلون في شؤونها الداخلية، ولا ما يتعلق بقضايا شعوبها أيا كانت هذه القضايا، ومهما كانت المبررات، وينأون بأنفسهم عن المساس بهويتهم الوطنية المستقلة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
إذا قبلوا بهذه المحددات (إطارا) صارما، لا يمكن تخطيه أو تجاوزه، لأية تفاوضات بينهم وبين المملكة ودول الخليج، فمن خلال ثوابت المملكة السياسية، وأيضا دول الخليج، الأرجح أنهم سيقبلون بالتفاوض؛ أما أن تكون موضوعات طاولة الحوار مطلقة، وغير محددة بدقة وصرامة، فلا أظن أن المملكة ودول الخليج سيقبلون بالتفاوض.
وختاما أقول: لا ينسى الإيرانيون أننا منتصرون، ولا بد من أن نجني ثمار ما بذلناه، وما ضحينا من أجله، كما هي مطالب المنتصرين دائماً، أما أن نترككم تتصرفون في المنطقة، وبسيادة دولها، ولحمة شعوبها، كما يحلو لكم، ونترك أوباما يُقدم لكم منطقتنا على طبق من ذهب، كما قدم العراق لكم بعد الاحتلال الأمريكي، فهذا لن يتحقق، مهما كانت التضحيات؛ فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
إلى اللقاء.