أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: عند كثير من الفقهاء قاعِدةٌ اسْمُها: (الخروجُ من عُهْدَةِ الخلاف)؛ وهي قاعدةٌ في الاحتياط مُراعاةً للنصوص الشرعية المُطهَّرة عن وجوب استبراءِ المسلمِ لدينه؛ كي يسلم مِن الوقوعِ في الحِمَى الذي هو ارتكابُ ما حرَّمَه الله؛ وحِمَى الله: محارِمه..
والفقيه المسلم - والعاميُّ ومَن هو مِن غيرِ ذوي الْفِقْهِ في الشريعةِ دلالةً وثبوتاً مِمَّن عِلْمُهُ في حقلٍ آخر كالطب والهندسة.. إلخ فهو بالتَّبعِ للعامي في حكْمُه: له حُكْمُه بالتبع؛ لأنه لا يَسَعُهُ إلا سؤالُ أهل الذكر؛ ومِن ثَمَّ اتِّباعهمُ؛ فهلْ ما سأذكره مِن اجتهاد بعضِ الفقهاء في الْـمَنْعِ مِن لَعْنِ الشيطان: من ذلك الخلافِ الذي يُراعَى، وهل هذا الخلافُ عن لَعْنِ الشيطان وعدمِ لَعْنِهِ: هوالخلاف الذي يُراعى؟؟.
قال أبو عبدالرحمن: كنتُ ذكرتُ في السبتية الماضية مُقَدِّمةَ هذا البحثِ التي هي (الْمُقَدِّمة بالآتي هدداً)، وأنني أعددتُ مُسَوَّدةَ البحث في (الشبيكيَّة) ببراري جنوب تونس؛ وأضيف الآن أنني أيّْامَ (المِقناص) أسْتَغِلُّ الوقت بعد التمتُّع بما لا يكاد يكفي من النوم في إعداد بعض مُسَوَّدات بعض البحوث، وباستعادة حِفْظِ بعض ما أُنْسِيُته من كلام الله، وبتسجيل بعض ما يَمُرُّ بي من علمٍ ببعض أحوال القنص، وبتسجيل ما سمعته من الزملاء في المُقناص من روايةِ الشعر العامي: إمَّا بروايةٍ جديدة، وإما بروايةٍ أخرى غيرِ ما عندي، وإمَّا بروايةٍ أو روايات.. وَعُنِيْتُ بتسجيل طرائفَ، أو بِتَسْجِيْلِ بعض مشاهداتي على الأرض كتابةً وتصويراً فوتوغرافياً.. [التصوير المنظورِّي، أو التصوير الضوئي.. وأعني تصويْرَ الكاميرا، وتوصف بـ (حافِظَةِ الظل)، وقد أفتى فقهاء العصر برفع الحرج عن التصوير بها: إمَّا لأنها ليستْ عَمَلاً باليد يُضاهي ما خلقه الله مِن ذوات الأرواح، وإما لعمومِ البلوى بها؛ لأن الله رفع الحرج في دينه عن العباد؛ فلله الحمد والشكر والمِنَّة لا إله بحقٍّ سواه.. [و] الفوتوغرافيا مُشْتَقَّةٌ من اليونانية، وهي تعْني الرسمَ بالضوء؛ وهي كذلك تُرادِفُ فَنَّ الرسم القديم؛ فمن خلال العدسة يقوم المُصوِّرُ بإعادةِ إسقاطِ المشهد أمامه على وسط يمكن من خلاله إعادةُ تمثيل المشهد فيما بعد.. والتصوير عمليةُ إنتاجِ صورٍ وَمَنْظَرٍ بوساطة تأثيرات ضوئية؛ فالأشعة المُنعكِسة من المنظر تكوِّن خيالاً داخل مادةٍ حسّاسة للضوء، ثم تُعالَجُ هذه المادة بعد ذلك؛ فينتج عنها صورة تمثِّل المنظر، ويسمَّى التصويرُ الضوئيُّ أيضاً التصويرَ المنظوري الفوتوغرافي.. يراجع مَوْقِعُ وِيْكْيِبيديا/ المُوْسوعة الْـحُرةِ بَعْدَ إصلاحاتِ نحويَّة مِن قِبَلِي].. أو بتصحيح بعض مقالاتي وبحوثي المطبوعة على الكمبيوتر.. [والْكُومْبِيوْتَـرُ ترادفُ الحاسوب، أو الحاسِب الآلي، أو الحاسب، أو الرتّابة، أو المِنظام، أو العقل الإلكتروني، أو المنظَّمةَ جهازٌ إلِكْتُرونيٌّ قادرٌ على استقبال البيانات ومعالجتها إلى معلومات ذات قيمة تخزنها في وسائط تخزين مختلفة.. وفي الغالب يكون قادراً على تبادل هذه النتائج والمعلومات مع أجهزة أخرى متوافقة، وتستطيع أسرعُ الحواسيب في يومنا هذا القيامَ بمئات بلايين العمليات الحسابية الْـمَنْطَقِيِة في ثوانٍ قلية.. وتشغل الحواسيب إنجازَ برمجيَّات خاصة تُسمَّى أنظمةَ التشغيل، ومادونها يكون الحاسوب قطعةً من الخردة.. وتبيِّنُ أنظمةُ التشغيل للحاسوب كيفيةَ تنفيذ المهامَّ، كما أنها في الغالب توفِّر بِيئَةً لِلمُبرمجين؛ ليطوروا عليها تطبيقاتهم.. إنَّ هذا التعريفَ يبيِّن الخطأ الشائع بين الناس: انَّ الْـحَوَاسِيْبِ فقط: هي تلك التي تعمل تحت بيئة )ويندوز، وماكينتوش، ولينكس؛ وهي أنظمة لتشغيل الحواسيب).. [ويكيبيديا/الموسوعة الحرة].. وأهمُّ ما أُعْنَى به تسجيلُ اعتباري بنفسي وبمن كنتُ معهم في المِقْناص؛ مِن أجل الاعتبار بسلوكنا وغاياتنا في حياتنا الدنيا التي فيها معاشنا، وآخرتِنا التي إليها معادُنا؛ فَيَقِلُّ المُوافِقُ ، ويكثرُ الْـمُفاركُ المُفارِق.. أو تدوينُ بعض لهجات القبائل؛ لِـمَعْرفة اتِّفاقِها أو اختلافِها، ومدى اتِّصالِـها بِلُغَيَّات العرب؟.
قال أبو عبدالرحمن: وحرَّرْتُ بحثي بما لا مَزيَد عليه مِن الكتُب الْـمَطْبوعةِ قبْل سَفري إلى تونس مِن أجْلِ المِقْناص من كتابي (تفسير التفاسير) عن معاني الشيطان والرجيم والخَلْق، ومن كتابي (مِقياس المَقاييس)، ومِن كتابي (لن تلحدَ)؛ وكلُّها كتُبٌ نَشرتُ بعضها في الجرائد والدوريات، ومن صُوَرِ المخطوطات التي اِقْتَنَيْتُها، ولا أزال جاهداً مع خمسةٍ من النُّساخِ لإعدادها كاملةً للطبع.. ومن تلك المصادِر مُسْنَدُ الإمامِ أحمدَ، والكُتُبُ التي عُنِيَتْ بتخريج أحادِيْثِهِ، ومن كتاب الطحاوي في شرحِ مُخْتَلِفِ الآثار، ومِقياس المَقاييس للإمام ابن فارس، والْـمُحَلَّى للإمامِ ابن حزم، وتفسير ابن جرير، وكُتُبِ ابن عبدالبر، والدُّر المصون لِلسَّمِين، وكتابه الآخر عن مفردات القرآن، وغيرِهم رحمهم الله جميعاً؛ فكان بَحْثاً مُصَهْرَجَ القنواتِ، جَمَّ الفوائدِ، طويلَ الذيولِ بلا فضول.. ثم اسْتَجَدَّت مصادرُ طُبِعَتْ أو اقْتنيتُ صُوَرَ مخطوطاتها بعد ذلك من (الإنترنت).
قال أبو عبدالرحمن: [ تُعَّدُّ الإنترنت أحدثَ وسيلة إعلامية؛ وهي عالمية الانتشار، سريعةُ التطور.. وكلمةْ إنترنت (Internet) تعني لُغَوِيَّاً الترابط بين الشبكات.. وبعبارة أخرى: شبكة الشبكات؛ حيثُ تتكوَّنُ الإنترنت من عدد كبير من شبكات الحاسب المترابطة والمتناثرة في أنحاءَ كثيرة من العالم.. ويحْكمُ ترابطَ تلك الأجهزةِ وتحادُثَها بروتوكولُ موحَّد يُسمَّى (بروتوكول تراسل الإنترنت/ (TCP/IP.. [انظر الإنترنتُ للمستخدمِ العربي/ الرياض/ مكتبة العبيكان/ ط1، 1419هـ، ص11 لِلدِّكْتُورِ عبد القادر بن عبد الله الفنتوخ]، ولم يَزِدْ ما اسْتجدَّ من المصادر في (الإنترنت) بحثي عُمْقاً إلا بمعرفة أسماءِ من كان لهم رأيٌ في المَسْألة.
قال أبو عبدالرحمن: مِمَّن لا يُراعَى خلافُه في هذه المسألةِ؛ لأنه يُعَدُّ خارجَ مَحَلِّ النزاعِ: كُلُّ مَنْ احْتَجَّ بما رواه البخارِيُّ رحمه الله تعالى في كتابِه (الأدبُ الْمُفْرَدُ) بتحقيق الشيخ محمد ناصرالدين الألباني.. قال: (روى البخاري رحمه الله تعالى في (الأدب المفرد): حدثنا سعيد بن أبي مريم قال :أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرني زيد بن أسلم: عن أُمِّ الدرداء رضي الله عنهما قالت: عن أبى الدرداء.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الّْلَعَّانين لا يكونون يوم القيامة شهداءَ ولا شفعاء)، وعلَّقَ الأَلْبانِيُّ بخاتمة تحقيقه على هذا الحديث؛ فقال: (لّعْنُ الشيطانِ من حيثُ استحقاقِه يجوز؛ لأنه ملعونٌ بنصِّ القرآن.. لكنْ جاء في بعض الأحاديث: إنَّ الشيطانَ إذا أغضب الإنسان فَيَلْعنُه: تعاظم الشيطان، ويفرح؛ فحتى لا يفتح المسلم الطريق لفرحِ الشيطانِ؛ لإضْراره ببني الإنسان).. قال الألباني: فما ينبغي أن يلعن الشيطان؛ وإنما يستعيذ بالله من شر الشيطان الرجيم).
قال أبو عبدالرحمن: ما أظُنُّ أنَّ هذا الحديثَ مضبوطٌ على وَجْهِهِ؛ ففيه لحن، وفي قوله: (الشَّيطانُ إذا غَضِبَ الإنسانُ فَيَلْعَنُه الإنسان: تعاظم الشيطان ويفرَحُ فحَتْى لا يَفْتَحَ المُسْلمُ الطريقَ لِفَرَحِ الشيطانِ؛ لإضْرَارِه ببني الإنْسَانِ.. إلخ؛ فههنا: (عن أبي الدَّرْداء قال؛ فأَوَّلُ خَلَلٍ في هذا الإيراد: أنَّ البخاريَّ يروي النَّصَّ بصيغةِ: حدثنا سعيدُ بن أبي مريم، ولم يَرْوِ عن زيد بن أسلم، وزيدٌ لَنْ يقولَ: (عن أمِّ الدرداء قال زيْدٌ)، ولم يَرْوِ زيد عن أمِ الدرْداء؛ فالصوابُ (قالتْ).. وفي الحديثِ: (إنَّ الشيطانَ إذا أغْضَبَ الإنْسانَ فيلعنه [والصواب فَلَعْنَهُ]، وفيه تكرار (الشَّيطانِ لغير ضرورةٍ ولا نُكْتَةٍ بلاغيَّةٍ، وفيه (لإضرارِه) ببَني الإنسان:، وهذا التَّعليل هو نفسُه (لإفْراحه حتى لا يفتح المُسْلِمُ الطريقَ لفرح الشيطانِ لإضْرارِه ببني الإنسان)؛ فإنْ كانت الروايةُ بكسرِ الألف المهموزة: (لإضْراره): فإنَّ كلمةَ (لِإضْرَارِهِ) تكون بَدَلَ بعضٍ لِكَلمةِ (لفرحِ الشيطان)؛ لأنه خَصَّصَ عمومَ فَرَحِه بخصوص فَرَحه؛ وهو (إضرارُه)؛ فالكسْرُ حِكايةُ فرحِ الشيطان بالإضْرارِ ببني الإنسان؛ وأَفْراحُ الَّلعِيْنِ أعمُّ مِن ذلك كفرحِه بالطعام وبالعِظامِ تُكْسى لَـحْماً، وكالروثِ يكونُ طعاماً لدوابِّ الجنِّ؛ وكلُّ ذلك صحت به النصوص الصريحة.. وإن كانت الروايةُ بفتح الألف المهموزة.. أي: (لأَضْراره ببني الإنسان): كان تقديرُ الكلامِِ: (حتى لا يفتح المسلمُ الطريقَ لفرح الشيطان لأضراره ببني الإنسان).. والأقربُ إلى الصِّحةِ ما أورده مسلم في صحيحه رقم (4708: (حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عَبْدَالْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ.. [الصوابُ: بأجنادٍ عنده]؛ فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ؛ فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءيَوْمَ الْقِيَامَةِ (.. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ..ح.. [الحاء علامة تحول الإسناد مِن عبدالملك بن مروان إلى معتمر، ومِن مَعْمَر عن زيد]، وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا: عَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ).. وعلى أيَّ حالٍ فليس الحديثُ في مَحَلِّ النزاع كما سيأتي بيانه إنْ شاء الله تعالى؛ فإلى لقاءٍ عاجلٍ قريبٍ إن شاء الله تعالى.