د.علي القرني
من الواضح أن داعش كما سبق أن أسلفنا منذ بدايات نشأتها في العراق وسوريا هي صنيعة استخبارات إيرانية سورية وجدت في الأصل في زخم تطورات كبرى في الموضوع السوري وهي لحظة تحول خطيرة كادت تهوي بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وكان الجيش الحر يحقق انتصارات قوية وعلى مشارف العاصمة السورية دمشق وكانت مدفعيته تضرب قصر ومقر الرئيس بشار الأسد وكادت تصطاده بمحاولات اغتيال لموكبه. هذه هي اللحظة التاريخية التي دخلت فيها داعش على خط المقاومة السورية.
كانت هناك عناصر إسلامية مع الجيش الحر تقاوم لتحقيق هدف مشترك واحد هو إسقاط نظام بشار الأسد، ثم انبرت المخابرات السورية والإيرانية إلى حيلة سياسية عسكرية من أجل تفرق جمع المقاومة فأنشأت هذه المخابرات جماعات مسلحة إسلامية أو متأسلمة بهدف شق صف المقاومة، وهذا ما حدث فعلا في نشوء تنظيم الدولة الذي وصف فيما بعد بداعش، وهي التسمية التي يرفضها هذا التنظيم. وتم تزويدها بالسلاح والمال والدعم من قبل المخابرات السورية والإيرانية حتى بدأت داعش تلتف على جيش المقاومة السوري وبدأت أولا وأخيرا بضرب هذا الجيش وإيقاف تقدمه، وكان لا بد أن يكون هناك فكر وإيديولوجيا لهذه الجماعة، واختارات فكر القاعدة كمنهاج لها.. لتحقيق هدف استراتيجي للنظام السوري أمام الرأي العام العالمي وهو أن الجماعات المقاومة للنظام السوري هي جماعات إرهابية وتنضوي تحت تنظيم القاعدة.
وإذا لاحظنا الانتصارات التي حققتها داعش في سوريا سنجد أنها انتصارات ليست على النظام السوري ولكنها مناطق استردتها من المناطق التي استولى عليها الجيش الحر في فترات ماضية، وهناك تناغم عسكري بين داعش والنظام في هذا الخصوص ليس مجهولا فهو معلوم للجميع، وتصريحات القادة السياسيين والميدانيين للجيش الحر تكشف عن هذا التنسيق العسكري بين نظام بشار الأسد وبين جماعة داعش. واستمر التقدم الداعشي على الأرض السورية واستطاع النظام أن أن يحقق هدف التشويش السياسي على صورة المقاومة كما استطاع أن يوقف أو يؤجل تقدمها، أمام الطعن الذي وجهته داعش للمقاومة.
ومع تنامي قوة داعش ووسط الفوضى السياسية التي أوجدها نوري المالكي في الفضاء السياسي العراقي وتهميشه المتعمد لجماعات السنة، ومحاولاتهم التصدي له في عدد من المحافظات السنية في العراق، جاءت لحظة تاريخية أخرى لداعش على الأراضي العراقية وبتخطيط من إيران فقام نوري المالكي مع القيادات العسكرية الموالية له في الجيش العراقي بالانسحاب من مناطق ومحافظات وتسلميها مع أسلحة متطورة لداعش، وبهذا مكن نوري المالكي سياسيا من خلال الفوضى الطائفية التي صنعها وعسكريا بتسليم داعش أسلحة ثقيلة حتى يتمكن من إحداث الفوضى التي أرادها في العراق (علي وعلى أعدائي)..
ومن لا يعرف إيران فهي نظام سياسي يلعب على المتناقضات، وقد نجحت كثيرا في هذه السياسات في المنطقة، فهي تأوي حاليا كبرى قيادات القاعدة لديها ومنذ الحادي عشر من سبتمبر وفي نفس الوقت هي تعلن عدائها للقاعدة، والجميع كذلك يعرف أن الدعم المالي واللوجستي للقاعدة يأتي من إيران، فهي تدعمهم بالخفاء وتستعديهم بالعلن. ونفس الشيء مع داعش هي التي صنعتهم، وتعلن عداءها لهم. ويحقق تنظيم داعش هدفا إستراتيجيا لإيران بشكل خاص هو أنها تغذي النزعة الطائفية في المنطقة، وهذا هدف محوري لإيران هو الذي يهيئ لها التدخل في شئون المنطقة.
وإيران أمام داعش في العراق وقعت في مأزق كبير، فقد تقدمت داعش كثيرا وبدأت تزحف على العاصمة بغداد وهذا بمثابة سقوط العاصمة العراقية في يد داعش، وهذا فيه تجاوز كبير للمساحة التي كانت تناور عليها. فقد رسمت إيران لداعش هدفين منفصلين في كل من العراق وسوريا. في سوريا كان هدف إيران من داعش هو بعثرة المقاومة وطعنها من الخلف وبالتالي إنقاذ النظام السوري. أما العراق فكان هدف إيران هو بعثرة أوراق الجماعات السنية بإدخال داعش في صفهم حتى يظهر ارتباطهم بالإرهاب. ولكن هناك خطوط حمراء لن تسمح فيها إيرن لداعش أن تتجاوزها، وهذا ما يجعل إيران حاليا تجد أن داعش بدأت تهدد مصالحها الاستراتيجية في العراق.
وعندما تم صنع داعش بمواصفات إيرانية سورية كان لها هدف بعيد هو استهداف المملكة العربية السعودية كما فعلت القاعدة بتضليل شبابها ليكون أدوات تقذف بهم في ساحة المعركة، هذا من ناحية مهمة، وكذلك ستجد من بعض الموالين لها دعما ماليا يساعدها على استمرار معركتها.. ولكن الأهم هو أن زعزعة أمن واستقرار المملكة هو هدف إستراتيجي لإيران ومن يقف معها من أحزاب موالية لها مثل حزب الله والحوثيين وأعوانهم الذين يلتقون على هذا الهدف. وخلال المرحلة الحالية يأتي تغذية التطرف كوسيلة لمحاولة زرع الفتنة بين شرائح المجتمع السعودي، ولكن خاب الظن لأن وحدة الدولة والمجتمع والناس هي وحدة حقيقية مبنية على أسس قوية ومتينة من التلاحم والوحدة الوطنية.