د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** بين الهدْرِ والهذْرِ- متجذرين من: هدَرَ وهذَرَ- جناسٌ « مصدريٌّ وفعليٌّ « شبهُ تامٍ يُوسمُ بصفاتهما من أدمنوا الحضور حتى الإملال وعلت نبراتهم حتى الإشغال وقلَّ ناتجهم حتى الإملال؛ فاتكأُوا على الصوت والصيتِ متدثرين باتقاءِ الناسِ سلاطتَهم أو سلطتَهم ومستغلين إيثارَ الأكثرين الهدوءَ والسلامَ والإعراضَ عن الجاهلين.
** بين هؤلاء يقفُ السياسيُّ والإعلاميُّ متخندقَين بسطوةِ الوسيلةِ وانفتاحِ المسافاتِ الفضائيةِ وتوافرِ الأكفِّ الملتهبةِ بالتصفيقِ للصوتِ النافذِ دون التحقق من مشروعِه أو مشروعيته، ولبعضِ هذا تُصاغُ عناوينُ واجهاتِ الوسائطِ الرسميةِ والاجتماعيةِ العربيةِ المنكفئةِ على الحدثِ السياسيِّ والاجتماعيِّ بمخرجاتهما السلبيةِ المملوءةِ شجنًا وإخفاقاتٍ، ومن زادنا أسىً أكبرناه واكتأبنا به.
** في الأزماتِ يتماهى السياسيُّ والإعلاميُّ فتختلطُ أدوارُهما ولا يكادُ يميزُ الفارق بينهما، وربما احتمل السياسيُّون أوزار الإعلاميِّين وحُسبت على الإعلاميين مواقفُ السياسيِّين؛ فبدا السياسيُّ مؤدلجًا دون إرادته والإعلاميُّ متناقضًا مع ذاته، وربما فقد الاثنان ثقةً يعتدان بها ويعتمدان عليها ولا يستطيعان التسويقَ لقضاياهما دون استثمارها.
** تشابه العدوانُ الثلاثي (1956م) وحربُ حَزيران (1967م) في أهدافِهما الظالمةِ واختلف ناتجُهما؛ فلم تستطع « بريطانيا وفرنسا ودولة يهود» إقناعَ زعاماتِ العالَمِ بشرعيةِ موقفِها ولم تجد سندًا من القوتين الكبريين (أميركا وروسيا) مثلما وقف الرأيُ العامُّ الكونيُّ والإعلاميُّ ضدَّ الحربِ ففشلت بالرغم من التفوق العسكريِّ الكبير للقواتِ الغازية، وخرج الرئيس جمال عبدالناصر منتصرًا باستفتاءٍ شعبيٍّ غيرِ مقننٍ، لكنه خسر كثيرًا بعد عَقدٍ من الزمن حين انهزم عسكريًّا للسقوطِ السياسيِّ والإعلاميِّ المدويِّ فانكسرَ مثلما كُسر، ومات- رحمه الله - حسيرًا بعد ثلاثة أعوام (1970م) وهو في أول الخمسين من عمره.
** في العدوان الأولِ أُديرت المواجهةُ من الأرضِ بتضامنٍ سياسيٍّ- إعلاميٍّ لم يحتجْ إلى كبيرِ عناءٍ كي يبقى تحالف (أنتوني إيدن- غي موليه- بن غوريون ) معزولًا، لكنه أخفق في استثمارعدوانِ عصابةِ صِهْيَون حين كان الإعلامُ» الهيكليُّ- السعيديُّ» يتغنى بالمجدِ المؤثلِ القادرِ على محو « يهود» فسقطَت زعامات وامتدَّ الاحتلالِ لثلاثِ دول.
** كان «كاسترو» يخطبُ ساعاتٍ فتبعته قيادات، وغيرَ بعيدٍ من ذواكرِنا حرب تموز 2006م؛ فقد كسب» الخطابُ الإعلامي» تعاطفَ الجمهور الذي توهمها نصرًا ثم فقد بريقَه» الشارِعيَّ» بعدما شاهد الناسُ أبواقً الشتم واللطمِ، وسار على نهجه «أنصارُ الله»-2015م ؛ فسقطوا في الاختبار الأول حين لم يعوا متغيراتِ الخطابِ وتبدلَ المخاطَبين.
** المؤسفُ - في زمن الأزمات - كثرةُ الهاذرين الهادرين ممن يلتقطُ أصواتَهم الإعلامُ الآخَرُ وينفذُ عبرها إلى مواقعَ كانت حصينةً لولا فتحُ ابوابها دون التدقيقِ في هُويةِ الداخلين.
** في الإعلام الغربي ما يسمى Breaking News ينصرف خلاله الإعلامُ إلى الخبر الطارئ ثم يعود إلى برامجه المعتادة فلا يُضطرُّ إلى ملء البث بما يتيسر فيسرّ ويضر، ولعلنا بحاجةٍ إلى وضعِ علائمَ لمن يقولُ وما يقول ولماذا يقولُ؛ فزمنُ الإنشاءِ ولَّى والمنشئون هباء.
** الهذْرُ هدْر.