هاني سالم مسهور
انتهى مؤتمر إنقاذ اليمن بـ»إعلان الرياض» كمرجعية سياسية لليمن المضطرب منذ ما قبل 2011م، «إعلان الرياض» يمثل حقيقةً تكراراً متوالياً لاتفاقيات ومعاهدات والتزامات لم تصمد إحداها، بل إن اليمن تتلازم فيه الحروب بعد كل اتفاق سياسي، وإن كان إعلان الرياض جاء واليمن يعيش حالة حرب، وحالة أخرى تتجلى عندما نتجرد في قراءتنا السياسية لليمن كدولة فاشلة لنتيجة طبيعية لفشل الدولة اليمنية القائمة في 26 سبتمبر 1962م وأن ما تأسست عليه اليمن جمهورياً تحصده اليوم حرباً.
يمكننا أن نعتبر «إعلان الرياض» تحولاً سياسياً جديراً بالتعامل معه في سياق غير هذا السياق الذي اعتاد فيه السياسيون اليمنيون تكريس مفاهيم خاطئة، وأفعال أيضاً خاطئة، فواحدة من المشكلات الكبيرة يمنياً تبقى عند السياسيين اليمنيين أنفسهم، فهؤلاء لا يرون في السياسة غير مساحة واسعة لممارستهم الدجل السياسي، وكذلك الارتزاق السياسي، مع وجود نخبة سياسية باتت لا تملك قدرة على التأثير في مجريات الأحداث المتوالية في اليمن.
التحول السياسي هو ما حمله هذا الإعلان من تضمين القضية الجنوبية في أجزاء منه على اعتبار أنها قضية سياسية وليست قضية حقوقية كما كانت توصف وتصنف منذ أن انطلق الحراك الجنوبي في 2007م، هذا التحول المهم «نظرياً» يبعث مضموناً جدير بتأسيس مرحلة بناء سياسي يعتمد على الثقة المتبادلة بين الأطراف اليمنية التي عليها أن تدرك أنه مهما حاول طرف إقصاء طرف آخر فلن يمكن تكوين بناء سياسي يؤدي إلى تعايش اجتماعي يمنح اليمنيين عموماً شماليين وجنوبيين حالة من الاستقرار الطبيعي.
إعلان الرياض جاء بدون اعتبار للأوضاع على الأرض في عموم الرقعة الجغرافية اليمنية جنوباً أولاً وشمالاً ثانياً، كما أن الإعلان لم يستطع القراءة في مدى قدرة التحالف العربي على حسم سريع تدفع الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يقبلون بالشروط أو على الأقل بالتفاوض الندي، ومع ذلك بقي مصير القضية الجنوبية مبهماً غائماً برغم التحول في مضمون الخطاب السياسي، كما أن سوء أداء الحكومة بقي مشهداً عالياً واضحاً وباتت حكومة بحاح في زاوية بائسة فهي لم تنجح في مهمتها الإغاثية فضلاً عن المهمة السياسية التي غابت عنها في إعلان الرياض.
لم تنقض أيام على إعلان الرياض، حتى سقط المشروع الأمريكي والذي كان يسعى من خلاله المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد على الذهاب إلى «مؤتمر جنيف» ووافق الحوثيون على العرض المقدم لهم لولا أن إسقاط هذا المؤتمر تهاوى على اعتبار تمسك الرئيس عبدربه منصور هادي بتحقيق شروط واضحة هي تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، واعتبار مخرجات الحوار الوطني قاعدة لكل حوار قادم، تضمين إعلان الرياض كجزء من الوثائق السياسية، ثم الاستناد على المنظومة الخليجية كمرجعية واسعة على اعتبار أنها المؤسسة التي قدمت المبادرة في 2011م وعلى ضوئها حدثت كل التطورات السياسية المعتبرة.
المعارك على الأرض هي المحددة لشكل ومضمون المرحلة السياسية، وما حدث في الضالع يوم 25 مايو 2015م هو بالتأكيد التحول الأبرز، فتحرير المقاومة الجنوبية بصفتها العسكرية للواء 33 هو النقطة الجديرة بكل الاستفهام السياسي لكل الأطراف الداخلية والإقليمية وحتى الدولية، فالعملية لها دلالاتها ومنطقها وعنصر التوصيف فيها، فهل نحن أمام خيارات عسيرة على الأرض كما هي عسيرة في السياسة.
من الأهمية أن نكون موضوعيين في إطار حان الحديث عنه بشفافية كاملة، فلم يخف إعلان الرياض حقيقة أننا بين (يمن) يتشظى بين شمال وجنوب، يمن يتمزق على الأرض فعلياً بعد أن مزقته السياسة اليمنية وممارسات طويلة من الاستعداء والإقصاء والتهميش ليصل الجنوب لمرحلة فاصلة من تاريخه عندما تحمل على أرضه وحيداً وبدون إسناد من أحد معركة عدن التي خاضها الجنوبيون إنابة عن الأمة العربية كلها، وكان مع قوات التحالف العربي خط الدفاع الأخير لإسقاط المشروع الإيراني في جزيرة العرب.
المضامين برغم ما تحتوي من حساسية غير أنها تمتلك الكثير من الواقعية والموضوعية السياسية على أثر ما يتحقق على الأرض من انتصارات احتاجت إلى شهرين متواصلين من الطلعات الجوية لسلاح الجو الملكي السعودي إضافة إلى إمداد عسكري لنصل إلى تحول في جبهة الضالع بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الرياض، إذن نحن أمام ما يتاح من فرصة أخرى لمن مازالوا يراهنون على الاستفادة من وقائع المجريات، فلقد فشلت كل الجبهات المختلفة في تحقيق انتصارات نوعية كنتيجة طبيعية لإنعدام العقيدة القتالية، فعقيدة ناشئة على الحزبية لن تستطيع أن تحقق صموداً كما حققته عدن، ولا تحريراً كما صنعته الضالع.