فيصل خالد الخديدي
الضوء الأبيض لا يظهر ناصعاً إلا باتحاد ألوان الطيف السبعة وبنسب متوازنة وإن اختلت نسب مكوناته اختلت الرؤية وفقد بياضه.. هو كذلك الوطن يبدو أكثر بياضاَ ونصوعاَ باتحاد أطيافه وتعاشق نسيجه وتعايش ألوانه ليظهر لوحة مشبعة بالألوان مشرقة بالضياء في إطار من لحمة وانتماء للوطن وليس للطائفة أو المذهب أو القبيلة فالوطن أنا وأنت وهو وهي ونحن وهم وإن اختلفنا وتباينت آراؤنا وأفكارنا والمعتقدات, فالاختلاف سنة الله في خلقه (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) والتعايش مع أبناء الوطن واختلافات طبيعة البشر ومعتقداتهم مطلب يتحقق به الأمن والأمان والنماء والارتقاء, ولعل قدوتنا في قمة التعايش والتعامل مع الآخر وإن اختلف معه في طبيعته وفكره ومعتقده هو الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير).
إن ما تعيشه الأمة الآن من تشرذم وطائفية وعنصرية فتك بكثير من الدول المجاورة والشعوب العريقة ولم يجعلها إلا حطاما وأكوام ركام وعصفت بإنسانيتهم الفتن ودُمرت أوطانهم بالطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة، وبلادنا الآن تعيش تحديات كبيرة وتهديدات جسيمة من خارج حدودها ومن الداخل، وهو ما يجعل الأمر مطلبا ملحا على اللحمة الوطنية والعيش بحب وسلام لجميع أطياف الوطن وعدم الانجراف وراء الطائفية والعنصرية, فالإرهاب هدفه ضرب البلد بمختلف مكوناته وأطيافه وعانت من ويلاته الكثير من المناطق والمحافظات ولم يقتصر على طائفة أو فئة من مجتمعنا ولم تفرق رصاصات الإرهاب الغادر بين مواطن أمن أو رجل أمن ساهر على أمن الوطن ولا حتى مصلِ ساجد.
بالتصالح والتسامح والتعايش نوطد لحمة الوطن ونعيشه سداً منيعاً أمام كل مارق يحاول أن يشق صف الوطن ويعبث بأمنه، فوطننا حق لنا و علينا أن نعيشه باقة ورد متنوعة الألوان والأشكال وفواحة بمختلف العطور فالوطن للجميع ومسئولية الجميع وهو ما يجعل الدور كبيرا على مثقفي وأدباء وفنانين الوطن في رفع مستوى الوعي وعدم انجرافهم ودعمهم للتحزبات والطائفيات ليس بالشعارات ولا باجترار ويلات الماضي ونبش قبور الفتن, وإنما بترك الفتن والتحزبات وأن نَحذر ونُحذر من تسليم العقول لمزامير الطائفية وطبول التطرف والخوض في المهاترات الطائفية والعنصرية بمختلف أشكالها وفي جميع وسائل التواصل الاجتماعي للانتصار لطائفة أو كشف عوار أخرى على حساب الوطن ولحمته؛ فالمستقبل يستحق أن يبنى بتعايش الحاضر ولحمة الوطن وتوعية الأجيال بحب الوطن والعيش له وبه ومن أجله.
الوطن لوحة من فسيفساء جمعت بحب وتلونت عناصرها بمزيج واحد, في اختلاف ألوانها بهاء ووحدة تكوينها نماء إطارها اللحمة وضوئها الاتحاد والتجانس, لنحميها جميعاً من أيادي العابثين ولا نسمح لهم بصبغها بلون الدماء ولا بتشظيتها لأشلاء.