د.ثريا العريض
أمام توالد التحديات المستجدة تتجدد أسئلة دولاب القيادة ووجهة الوطن ومصيرية التحكم في النتائج. ولو ارتقى فكر الجميع إلى الحكمة، وطموحهم إلى طلب الوضع الأفضل، سيأتي إيلاء الثقة بين أطراف منظومة الوطن متفقا عليه وفي موقعه. فما هو الدور المثالي للمواطن المكلف بالمسؤولية التنفيذية؟ وما هو دور الإعلامي؟ وما هو دور المواطن المكلف رسميا بالشور على صانع القرار؟ وما هو دور المواطن؟ خاصة الحكيم الرائي الذي قد يرى ما لا يراه الآخرون في انشغالهم بمسؤولياتهم وخطاهم اليومية و طموحاتهم الفردية؟
أما المسؤول المكلف بالقيام بمهمة تنفيذية، فدوره أن يستوضح الهدف من القيام بهذه المهمة، وأن يستنبط أفضل إستراتيجية وخطة للوصول إلى النتائج المرجوة منه. وإن أُحسن تخير المسؤول- ليس بين هذه النتائج أن يحصل المكلف على فوائد تمييزية يتحيز بها لمصالحه الشخصية أو انتماءاته الفئوية عرقا أو فكرا. ولكن إن نجح المكلف في تنفيذ مهماته فقد يحصل على مكافآت ممن كلفه، لا يستقطعها هو بنفسه مسبقا.
وأما الإعلامي فدوره ذو شقين:
1- إخباري: أن يتابع تطور مستجدات الأحداث ليسجلها للإعلام وللتاريخ المدون لاحقا، دون تدخل برتوش لرسم صورة مختلقة التفاصيل . و2- تحليلي: أن يكون حلقة وصل تفاعلية بين أطراف الحدث وغير المتلقي يوضح المتعلقات الزمانية والمكانية و تأثيراتها على تطور الأحداث و المتوقعات. و في دوره التحليلي عليه مسؤولية أن تقدم العدسة التي يرى بها رؤية مهنية صادقة، وليست شخصية تبحث عما يؤكد توقعات مسبقة، أو تتوخى مكافأة كلام، أو رشوة إسكات ممن تظهرهم تحليلاته بصورة إيجابية أو سلبية لا ترتبط بالواقع الفعلي.
أما من يناط به الشور فمسؤوليته توخي الصدق وتبين الحقائق المتعلقة علميا وميدانيا؛ وأولها فهم هدف وأولويات من يستشيره. صانع القرار الحكيم و المستشار كلاهما يعلم أن الصدق قد لا يأتيه بما يتمنى أن يسمع.
و أما المواطن فولاؤه أصل المنظومة كلها، و الأساس في استدامتها. حيث لا قائد دون أتباع و لا حاكم لوطن دون مواطنين. وتوازن القائد والحاكم، بين الاستمالة للإرضاء و التشديد لإيقاف عدم الالتزام بالأنظمة، يحدد في النهاية مدى رغبة أو قدرة المواطن على الالتزام بالأنظمة لكي يحصل على مميزات المواطنة، و أولها حمايته شخصيا من هشاشة وضع عدم الانتماء، وحالة انعدام الحماية من الآخرين بكل المستويات.
الثناء يفرح أي إنسان طبيعي، ولكن ولي الأمر الحكيم يدرك أنه بحاجة أكبر ليس لمن يصفق باستمرار لأي حركة يقوم بها، بل لمن يقدم له الرأي السديد، قبل وبعد أن يقوم بها. والحاكم الحكيم لا يتخذ قرارا إلا بعد تفكير لكل احتمالات نتائجه. حتى في الحالات الضاغطة لابد أن يكون قرارا مدروسا من حيث أهدافه و نتائجه المتوقعة. فأي قرار يمس المجموع بصورة مباشرة -أو حتى بصورة انفعالية حين يقارن الفرد نفسه أو فئته بغيرها أو بالمستقبل أو الماضي من حيث تأثير القرار- يحمل نتائج تؤثر في فرص استدامة العلاقة الإيجابية بين الأطراف في المنظومة القائمة.
الكل في حاجة إلى جو من الثقة المستحقة. ولي الأمر في حاجة لمن يثق به ليعينه مسؤولا تنفيذيا: أولا في صلادة ولائه لبقاء الوطن، وثانياً في أمانته أمام مغريات السلطة في يده، وثالثاً في قدرته على متابعة مجريات الأمور وتطور الأوضاع إيجاباً أو سلباً، ورابعاً في تميز مهارته في استنباط الإجراءات والحلول للمحافظة على وجهة الهدف الأعلى.
والمواطن في حاجة إلى من يثق به، سواء في تفهم احتياجاته، وتقديم المشورة لصانع القرار، وفي تنفيذ متطلبات القرار على أرض واقعه المعاش.
في الأوضاع المثالية، الثقة و الصدق هما قاعدة الإسمنت التي تحمل أساسات بقاء الوطن بكل الأطراف. ولا مكان فيها لتضليل النفس أو الآخر لأي سبب. وحين يستوعب العقلاء منا معنى صور الدمار و الدماء في كل نشرة أخبار، ومعاناة ملايين اللاجئين في أصقاع العالم، ندرك معنى أن بقاء الوطن وكل من فيه رهين بالتزام ترسيخ التوازن لاستدامة حالة الرضا والبناء والنماء والبقاء للجميع. وبصدق الانتماء في التعبير عن واقع الحال مقارنة بالآمال.