عمر إبراهيم الرشيد
في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقيم في مارس الماضي توقفت عند جناح فلسطين، الذي كان أشد ما أفرحني رؤيته في المعرض، أخذت اتنقل بين كتب دار نشر مقرها القدس كما قال لي صاحب الدار، فسرت قشعريرة في جسدي لذلك الاسم ورحت أحاول استنشاق عبق تلك المدينة من كتب أتت منها. هذه المشاعر العفوية تعتري كل مسلم وعربي يعي مكانة زهرة المدائن وحاضرة الأنبياء وأولى القبلتين وحاضنة ثالث الحرمين الشريفين.
ليس هناك مسلم لا يمني نفسه بالصلاة في الأقصى مسرى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وإمامته للأنبياء والرسل في الصلاة فيه ومن ثم معراجه إلى السماء. أو السير في الأرض التي بارك الله فيها واستحضار فصول ومشاهد من حياة إبراهيم الخليل ويعقوب وعيسى وغيرهم من الرسل والنبيين عليهم الصلاة والسلام، بالسير في أزقة القدس القديمة واستنشاق عبق التاريخ السحيق لهذه المدينة العتيقة الأسرة الأسيرة. الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني أعاد ما دعا إليه قبل أشهر المسلمين والعرب إلى زيارة القدس والمسجد الأقصى، وذلك على هامش مؤتمر المنظمة الأخير. الأمين العام أطلق دعوته الأولى حين زار القدس مع شخصيات إسلامية عديدة بداية العام بمناسبة اختيار القدس عاصمة للسياحة الإسلامية، هذا الاختيار وإن كان رمزيًا إلا أنه يعيد إلى أذهان الكثير من المسلمين التذكير بقضية القدس وفلسطين عمومًا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يثير تساؤلات عن إمكانية الزيارة لمعظم العرب والمسلمين، صحيح أنه يمكن الزيارة عن طريق مصر أو الأردن، لكن يبقى التساؤل عن تعامل سلطات الاحتلال مع الزوار العرب والمسلمين. هذا إلى جانب القضية الشائكة في نظر الحكومات العربية وهي أن الزيارة قد تفسر على أنها نوع من الاعتراف الضمني بسلطة (إسرائيل) على الأراضي العربية المحتلة أو التطبيع معها، على اعتبار أن الدخول للقدس وباقي مدن فلسطين إنما يتم عن طريق سلطات الاحتلال.
دعوة أمين منظمة التعاون الإسلامي المسلمين إلى زيارة القدس والمسجد الأقصى هي كسر للتفكير النمطي أو المتكلس إن صح التعبير وإلى إعادة النظر في طريقة مقاومة الاحتلال بطريقة غير تقليدية. إِذ يرى إياد مدني بأن الزيارة، لمن يستطيع بالطبع، إنما هي دعم للشعب الفلسطيني من إخوانهم وشد من أزرهم وإيصال رسالة إلى حكومة الاحتلال والعالم بأن القدس والمسجد الأقصى تحديدًا إنما هي أرض عربية إسلامية وحق للفلسطينيين وإخوانهم، مما يشكل حربًا دبلوماسية لا تقل تأثيرًا عن الحرب التقليدية. وجهة نظر ومحاولة وجهد له احترامه دون شك وتفكير خارج الصندوق، ولننظر إلى تأثير اعتراف الفاتيكان الأخير بدولة فلسطين على حكومة الاحتلال وشعبها، إِذ أكثر ما يرعب المحتلين الصهاينة تغير الرأي العام العالمي تجاههم وهو ما حصل بالفعل في السنوات الأخيرة، وليس أدل على ذلك من توالي اعتراف حكومات وبرلمانات أوروبية وأمريكية لاتينية بدولة فلسطين. الأمر المهم كذلك هو الدعم الشعبي ومنظمات المجتمع المدني للشعب الفلسطيني، مثل زيارة الفرق الرياضية العربية للأراضي الفلسطينية ومنها القدس، وإقامة الأنشطة الثقافية والفنية هناك من قبل شخصيات عربية مشهورة في مجالها. ولا يمكن إغفال الدعم الاقتصادي كذلك عن طريق تشجيع تصدير المنتجات الفلسطينية إلى الدول العربية والإسلامية والعكس، ودعم المنظمات والجمعيات الخيرية للدخول إلى القدس وباقي المدن والبلدات. لأن مؤسسات المجتمع المدني وكذلك الشخصيات العامة المؤثرة هي عادة أخف حركة وأكثر ديناميكية من المؤسسات الحكومية، وبالطبع هي تأخذ الدعم والتشجيع منها، لأنها مكملة لها لا ملغية لدورها بطبيعة الحال. فلسطين، أرض الرسالات والأنبياء، وبلاد الزيتون والبرتقال، وبيت المقدس وأولى القبلتين، من لا يتمنى أن تطأ أقدامه تلك الأرض، إلا من لا يعي مكانتها. أعاد الله القدس وفلسطين السليبة إلى أهلها بقدرته ونصره، وخلص باقي الدول الإسلامية من الفتن الدائرة فيها وتربص الفرس وأعوانهم لتخريبها، وحمى الله بلادنا من كيد الكائدين وشرور الحاقدين وحفظها قبلة لأمة محمد، والله غالب على أمره.