سمر المقرن
ثمة تناقض ما بين العقل والعاطفة، إلا أن هناك رابطاً قوياً بينهما لا يستطيع بناءه أي شخص، فالعاطفة غالبًا أقوى من العقل في بعض المواقف، والعكس، إلا أن الحالة الأولى عند الإنسان الطبيعي تحضر أكثر من الثانية.. لذا لا ألوم أي شخص يقوم بأي تصرف من خلال عاطفته، كما حدث مؤخرًا في موضوع الطفلة المصابة بمرض السرطان سارة إبراهيم، والتي أخذت تستدر عاطفة المغردين في تويتر لتجني من خلال هذه العملية مبالغ كبيرة، وبالنهاية تم اكتشاف أنها حالة نصب تعرّض لها فئة من المجتمع السعودي وحتى من خارجه!
أختلف مع بعض التحليلات التي تقول إن المجتمع السعودي عاطفي بطبعه، والأصح من وجهة نظري أن الإنسان عاطفي أيًا كان جنسه أو دينه أو توجهه الفكري، بدليل الأعمال الخيرية المنظمة في دول الغرب هي أعمال بلا شك تسيّرها العاطفة، إلا أن الاختلاف بيننا وبينهم هو الوعي العاطفي، بلا شك هذا الوعي ليس حاضرًا لديهم في جميع الأحوال، إلا أن الأكيد أن معيار الوعي العاطفي لديهم أكثر منّا، كيف؟ أقولها بكل صراحة، نحن مجتمع نحتاج إلى أحداث ومواقف تستدر عاطفتنا لنبذل الواجب علينا من العطاء، فمثلاً قصة الطفلة سارة إبراهيم تمكنت من الدخول عبر بوابة تويتر وهو أكبر تجمع يضم السعوديين، واستغلال عاطفتهم الإنسانية، بينما في دول الغرب كل شخص لديه الشعور بوجوب مساعدة المحتاجين والأطفال والمرضى، وحتى الشخص الذي لا يملك المال الذي يمكّنه من تقديم مساعدات مالية، فهو يقوم بالتطوع في أعمال لمساعدتهم.. لو ذهب أيٌ منّا إلى مستشفى الأطفال مرضى السرطان بالرياض لوجد عشرات الحالات من الأطفال الذين ينتمون لأسر محتاجة، وهؤلاء أولى بالمساعدة من شخصية ظهرت عبر تطبيق تويتر، كما أنه مكان موثوق ويمكن اللجوء إلى إدارة الخدمات الاجتماعية التي تعرف أوضاع كل طفل مريض وأسرته، وإرشاد الشخص الذي يريد التبرع للجهة الصحيحة، قد يقول - بعضهم - إنه لا يريد تقديم المساعدة إلى جهات أو مؤسسات، وإنما يريد تقديمها للمريض المحتاج نفسه، وهذا ممكن بعد الاستعانة بإدارة المستشفى أن يكون التواصل مع أسرة الطفل المريض بشكل مباشر.. أيضًا هناك أشخاص هم بحاجة إلى المساعدة والتبرعات، خصوصًا مرضى السرطان والفشل الكلوي الذين يعيشون خارج مدينة الرياض، وقد شاهدت بنفسي أثناء زيارات ميدانية لهم مدى حاجتهم للمساعدة المادية والمعنويّة، فالمريض يأتي من خارج الرياض وقد توفر له إدارة المستشفى تذكرة السفر والسكن لفترة محدودة، وقد يحتاج المريض إلى البقاء مدة أطول ولا يجد من يتكفل بمصاريف سكنه الإضافية، وقد لا يكون معه ومع مرافقه قيمة ما يحتاجه من غذاء أو مواصلات ومصاريف شخصية، بإمكان أي شخص يحمل الوعي العاطفي الاتجاه إلى أحد المستشفيات الكبرى والوصول إلى شريحة كبيرة من هؤلاء المحتاجين هم بحاجة إلى المساعدة.
ما يمكن استخلاصه بعد قصة سارة إبراهيم، أن مجتمعنا - وهذا ليس بجديد عليه - فيه من العاطفة الإنسانية الكثير ومجتمع فيه الخير إلا أن الوعي العاطفي هو ما ينقصنا، وأظن أن المؤسسات المعنية والإدارات الخاصة بهذه الحالات في المستشفيات هي أحد أسباب نقص الوعي العاطفي لافتقارها إلى أساليب التسويق الخيري التي تستدر عاطفة النفس، وفي نفس الوقت توجهها إلى المواقع الصحيحة.. أقول لكل من استغفلته سارة إبراهيم: لا تجعل عملية النصب هذه تُؤخرك عن فعل الخير، وخذ منها درسًا في الوعي العاطفي!