عبدالعزيز السماري
كما جرت العادة بعد تكليف وزير جديد للصحة، يبدأ الحديث عن التأمين الصحي، وقد صرح معالي وزير الصحة المهندس خالد الفالح مؤخرا أن الوزارة شرعت في الخطوات العملية نحو إقرار التأمين الصحي للمواطنين، وقال، إن التأمين الصحي سيكون واقعا للمواطنين خلال السنوات القادمة، لكن الغموض لازال سمة غالبة على مثل هذه القرارات، والغموض هو أن أهم قرار في تاريخ العناية الصحية في البلاد يتم إقراره من خلال لجنة مكونة من أفراد، ولا تٌطرح للرأي العام و للمهتمين قبل الإقرار عليها..
وهو ما يجعل التراجع عن القرار في المستقبل في غاية الصعوبة، مثلما حدث في تجميد رواتب الأطباء والمهنيين الصحيين السعوديين قبل أعوام، ولم يتم التراجع عنه، برغم من آثاره السلبية جداً التي وصلت إلى انتقال المختصين للعمل في القطاع الخاص سواء بطريقة الانتقال النظامي، أو من تحت الطاولة، لتعويض التجميد المادي للأربع سنوات الماضية، ومثلما حدث في مشروع الضمان الصحي التعاوني، والذي تم تقديمه للمجتمع على أنه تعاوني وخيري، ثم اتضح أنه تجاري بحت، وتحكمه المعايير التجارية الخالصة.
وقد تم بالفعل ضبط شركات تأمين محتالة وتقدم تأميناً وهمياً مقابل 500 ريال..، كما أبدى عدد من المواطنين والمواطنات الحاملين للتأمين الطبي استياءهم من استغلالهم من قبل بعض المستشفيات الخاصة وذلك من أجل تحميل شركات التأمين المزيد من التكاليف، واصفين الأمر بالاستغلال التجاري في خبر تم نشره في تاريخ 20 جمادى الاخرة 1434 هـ - 30 ابريل 2013م - العدد 1638 من جريدة الرياض، وطالبوا بضرورة سن عقوبات رادعة على المستشفيات الخاصة التي تتلاعب على حساب صحة العميل من أجل تحقيق المزيد من الأرباح من خلال شركات التأمين التي تماطل -في كثير من الأحيان- في دفع التأمين الطبي ما أسفر عنه رفع عدة شكاوى ضد بعض شركات التأمين من قبل بعض المتضررين من العملاء أصحاب التأمين الطبي.
كما كشف مجلس الضمان الصحي التعاوني في شهر مارس الماضي، عن تلقيه 1585 شكوى بين أطراف العلاقة التأمينية ( المؤمن لهم - شركات التأمين الصحي - مقدم الخدمات الصحية ) بزيادة 56% عن معدل العام الماضي، مبيناً إلى ان الشكاوي وزعت على النحو التالي 1329 شكوى ضد شركات التأمين بنسبة 83.85%، و 186 شكوى ضد أرباب العمل بنسبة 11.74%.
الشفافية هي ما نطالب به، وإطلاع الرأي العام و المختصين على مشروع التأمين الصحي شيء إيجابي وصحي، وسيعود بالنفع على الوطن، كما أن نظام التأمين الصحي ليس بجديد على البشرية، وهو كالعجلة التي لا يمكن إعادة اختراعها، فبقية العالم توصلت إلى الحل المثالي والنموذجي وهو التأمين الطبي الاجتماعي المدعوم من الحكومة، وهو الرعاية الصحية القادرة على استيعاب المخاطر، و التي تخدم الأفراد بعدالة، وعدم تفرقة بين المرضى حسب الوضع المادي أو الصحي أو الاجتماعي، في حين أن التأمين التجاري مصمم لحماية المصالح التجارية من خلال انتقاء الأصحاء والشباب للتأمين عليهم، ثم وضع الصعوبات ضد الذي يعانون من الأمراض المزمنة والمسنين.
ما يحدث الآن من دعم لبناء المستشفيات التجارية غير صحي، بل كارثي للاقتصاد الوطني، وأشبه بتجارة أوراق « القات» المدمنة، إن صح التعبير، فالمنتج الطبي تحول إلى سلعة، هدفها تدوير مدخرات المواطنين، بعد أن يعتادوا على ثقافة الدفع أكثر من أجل صحة أفضل، والمحصل النهائي هو تكوين ثروات هائلة للتجار من جيوب ذوي الدخل المحدود وغير المحدود، وكنت أتمنى أن تتجه استثمارات هؤلاء التجار للصناعة لإثراء الاقتصاد الوطني ،بينما كان الأصح والأنسب لوزارة الصحة وصناديق الدعم الحكومي أن تدعم تأسيس المستشفيات غير الهادفة للربح المادي والمهتمة بالتعليم والتطوير والأبحاث العلمية الموجهة لخدمة العناية الصحية، مثل المايوكلينيك وكليفلاند وغيرها من المراكز الطبية الشهيرة في العالم، وليس تقديم القروض للتجار الذي يتعاملون مع صحة الإنسان كسلعة تجارية صرفة..
بعبارة موجزة، « التاجر لا يمكن أن يقدم عناية صحية متطورة «، لأنه يهتم فقط بالدخل المادي بغض النظر عن الأخلاقيات والنوعية، وهناك ملاحظة واضحة للعيان، وهي أن المختصين في التخصصات الطبية الدقيقة عندما ينتقلون للعمل في القطاع الخاص يمارسون عملهم كغير مختصين، ويصبحون أشبه بماكينة طبع الاوراق المالية لحسابتهم وللتاجر، كما أن بعض المستشفيات الخاصة ترتكب مخالفات أساسية، وذلك عندما تقدم للطبيب نسبة مقطوعة من تكلفة الفحوصات، وهو ما يجعل المريض سلعة تجارية أكثر في العيادة الطبية، ولو توقف الدعم الحكومي، و تمت تطبيق أنظمة النوعية الطبية لما تمكنت تلك المستشفيات من تحقيق أرباح على الإطلاق، لأن العناية الصحية مكلفة إذا تم تقديمها بالشكل الصحيح..
في 18 مارس 2013، قدم مستشار وزير الصحة السابق الدكتور رضا محمد خليل شهادته عن التأمين الصحي، عندما أكد أن مشروع التأمين الصحي الذي ستطبقه الوزارة على جميع المواطنين خلال الأشهر القادمة، سيكتب له النجاح في حال أبعدته الوزارة عن شركات التأمين الطبي التجارية، مطالباً بإنشاء صندوق حكومي غير ربحي لتطبيق المشروع.، وقال خليل الذي كلف بدراسة مشروع التأمين الصحي للمواطنين «بلسم» إن كل مايهم شركات التأمين التجارية هو الربح فقط، لافتاً إلى أن صحة المواطن ليست مجالاً للاستثمار التجاري ولايمكن المزايدة عليها، مستشهداً بفشل الشركات التجارية في تطبيق التأمين الطبي لمواطني أمريكا..
والآن يا معالي الوزير هل يحتاج النهار إلى دليل..؟