د. محمد بن عبد العزيز الثويني
ما دمنا نسلم جميعاً أن الأمن نعمة عظيمة، والكل فيها رابح، فلماذا يتجرأ البعض على محاولة تقويضه ليتضرر بشخصه أو أقرب الناس إليه من والدين وأولاد وزوجة وأصحاب.
إن الأمر البدهي يقول: إن هذا كان فاسداً أمره عليه من الأول، ولذا أخذ بمقولة «عليّ وعلى أعدائي» ولكن من خلال رؤية بعض الأحداث الجارية يرى المتبصر أن من هؤلاء الفاعلين من كانوا منعمين وفي مجتمعهم من المحترمين، وإن لم يكونوا من الطبقة المخملية فهم يحاذونهم أحياناً.
سؤال صعب لم أجد له إجابة حتى الآن وهو:
لماذا فعل الواحد منهم ما فعل من قتل لنفسه، وقتل لغيره، وتعكير أمن مجتمعه الذي نشأ فيه وترعرع؟
بحثت عن إجابات كافية ولغيري شافية؛ لتكون العلاجات ناجعة، لكني لم أجد جواباً يشفي الغليل وينير السبيل... مما جعل المجيبين كلٌّ يغني على ليلاه.
قالوا: فقراء، فإذا هم أبناء الأغنياء أو يقاربونهم.
قالوا: البطالة فإذا هم أحداث لم يكملوا الدارسة.
قالوا: الكبت وعدم ممارسة الحريات الخفيفة، فإذا هم يتجهون للتدين الأشد وليس للتحلل الأشد.
وإن نظرت لمحاولة تشخيص المشكلات وعلاجها فإذا من العلماء الفضلاء من لغتهم مع هؤلاء لغة الود والحب والشفقة والنصح والتذكير والتحذير، ومنهم من لغته لغة النزر ومحاولة الضرب بيد قوية ونسي أنه موجه وليس بضارب.
ومن علماء الاجتماع والجريمة من لغته التنظير والشقشقة والتقعير، ورجال الأمن تعاملوا مع هؤلاء بلغة الحزم والعزم، والبعض من الإعلاميين تعامل مع هؤلاء بلغة التسطيح والتسفيه والسخرية والاستهزاء.
فكان غالب هؤلاء الأبناء الأحداث منهم والراشدين، عن هؤلاء غافلون، وفي غيِّهم سائرون، فتلقفهم من عرف المدخل عليهم، وبخاصة وهم يستهدفون - صغار السن أو من فوقهم بقليل- ففريستهم من الخامسة عشرة حتى فوق العشرين بثلاث، وشذَّ من يزيد عن هذا العمر إلا من وضع نفسه موضع القيادة والريادة، وهماً كانت أو حقيقة.
تعبت في البحث عن إجابة لهذا السؤال فطرحته على نفسي كثيراً وفي مجالس الزملاء والأصدقاء ممن يهمهم الشأن العام للمجتمع، وبحثت عنه قراءة، فلم أهتد لذلك لكني خلصت إلى رؤية قد لا تكون الكافية، لكنها في نظري مساعدة، وهذه الرؤية تكمن بأهمية دراسة صفات وخصائص المجتمع السعودي بأكمله.
وهذه المسؤولية الكبرى تقع على علماء النفس والاجتماع والمهتمين بالشأن العام للمجتمع بشرط أن تكون الدراسة جامعة بين الواقعية والتنظير لتكون النتيجة قابلة للتطبيق من الجهات المعنية، ففي تقديري أن غالب المجتمع السعودي لديه نزعة القيادة، فيسعى للبحث لتحقيقها في المسار الصحيح وقد ينجح وقد يرسب، ثم يجنح ذات اليمين أو ذات الشمال، فعرف أولئك الأفاكون الغريزة فدخلوا من خلالها، فألبسوهم لباس القيادة، وأطلقوا عليهم الألقاب الكبيرة، وتنازلوا لهم بالتصوير بجانب مسلم مصلح وقد قتلوه وكأن هذا الشاب هو القاتل له، فيدٌ بها رأس وأخرى بها سكين غليظة، والرشاش معلق على الكتف متدلياً إلى منتصف الجسم، أي إشباع لنزعة القيادة لدى شاب يساوي هذا الإشباع؟! لما أشبعوه أوهموه بأنه فوق مستوى هذه الدنيا وحطامها، وأوردوا عليه النصوص المبشرة المنزلة منهم في غير موقعها، فشمخ بنفسه ورأى ما رأوا فقدم نفسه قرباناً للأسياد وهو ينشد جنة رب العباد، فمات وتسبب بالقتل والزعزعة، وأولئك بعيدون عنه وفي صومعة، ولما قضي الأمر قالوا: نحن نتبنى الفعل، ولم تصلهم تبعات الفعل؛ لأن الكبار جداً محميون من المسيرين لهم والمستثمرين لأفعالهم، فمن سيضرهم -إن لم يرد الله لهم ذلك- وهو في غرف نومهم آمنون - وعلى أسِرّتهم متكئون- ولأحسن السيارات راكبون، إنها المفارقات العجيبة، بين حال معظم هؤلاء وحال معظم هؤلاء الأتباع!!!
ولعلي أختم مقالي بمثال لا يرتقي لمستوى هؤلاء خطورة مستقبلية، وإن كان قريباً منه في قتل النفس وإزهاق الأرواح، والمثال مع بساطته إلا أنه مؤشرٌ لوجود نزعة القيادة لدى معظم المجتمع السعودي، إنها ظاهرة التفحيط التي أعيت المعنيين وأحرجت الأولياء والمربين، ونلحظ القاسم المشترك بين هؤلاء وأولئك وهو مقاربة الأعمار لديهم جميعاً.
إن الأمر خطير والخطب جلل والأمن مسؤولية الجميع لأنه بفقده يكتوي بل يحترق الجميع المتعاطف والكاره فحيا هلا إلى جهد عملي مدروس ليكون الأمر قضية مجتمع وليست قضية أفراد، حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين، وأعان ولاتنا على كل خير.