يوسف المحيميد
معظم مشكلات العالم وصراعات شعوبه، وتناحر فئاته، ووقوع الكثير من المجازر والمآسي، هو بسبب الانتماء العرقي أو الديني، وكلما تعايشت الفئات مع بعضها لعقود، بل وتزاوجت أحياناً، يأتي من يذكي نار التناحر بينها، ومن يمتلك الحقيقة المطلقة منها، ومن لا يملك! من هو على صواب، ومن على خطأ، حتى تبدأ الخلافات صغيرة بسبب شخص تملؤه الكراهية وتسيطر على عقله وقلبه، فيعمل على إشاعتها بين جماعته، ويجد لها صدى غالباً، فتكبر دائرة الكراهية بين الناس، ويكثر القتل والانتقام، وتنتقل العدوى إلى مساحات أكبر في العالم!
نحن في الشرق الأوسط نعيش حالة مشابهة من انتشار الكراهية بين الطوائف، وتزداد الأمور سوءاً منذ بداية الألفية الجديدة، وفي قلب العالم القديم، بلاد الرافدين، ما لبثت أن امتدت إلى سوريا حينما بدأ السوريون بممارسة حلمهم، والحلم بديمقراطية وانتخابات وتداول السلطة، بعد تجارب تونس ومصر وليبيا، والتخلص من الديكتاتوريات الخانقة، لكن الأمر كان آصعب، وأكثر تعقيداً، بعد دفاع الروس والصينيين عن النظام القائم، وفتح المجال للجماعات الدينية المتطرفة بالعبث في سوريا، حتى يتحول الأمر من حلم شعب إلى قتل شعب بحجة الحرب على الإرهاب!
في اجتماع جدة، الذي تنظمه الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، ويشارك فيه تسعون خبيرا في مجالات حقوق الإنسان والأقليات والقانون والسياسة، سعي جاد لإعداد خطة تنفيذية لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشأن مكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والعنف على أساس الدين والمعتقد.
وما أحوجنا فعلا إلى تجريم كل أشكال التحريض على الكراهية بين أفراد الطوائف والأديان، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فما يمارسه البعض في تويتر مثلاً، من كتابة تغريدات تحض على الكراهية والتمييز والعنف بين الطائفتين السنية والشيعية هو نوع من الجرائم التي تدينها منظمات حقوق الإنسان، لكن يجب اعتماد مكافحتها واعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، على الصعيدين الوطني والدولي.
وفي كل الاجتماعات السابقة المنعقدة في واشنطن ولندن وجنيف والدوحة، هناك اتفاق على تسخير الأنظمة القانونية الحالية المعمول بها في مختلف البلدان لمكافحة التحريض على الكراهية والتمييز بسبب الدين والمعتقد، وهو الأمر الذي نحتاج إليه كثيراً، خاصة بعد تسلل العمليات الإرهابية مؤخراً إلى وطننا الغالي حماه الله، واتخاذ مساجد الله مكاناً للتدمير وقتل المصلين فيها، في إشارة واضحة إلى التحريض على الكراهية بين المواطنين من مذاهب مختلفة.