حمّاد السالمي
* ما الذي يدور في مجتمعاتنا العربية؛ من ذبح وقتل وتدمير وتفتيت لكافة البنى الإدارية والبشرية والمادية..؟
* ماذا يمكن أن نسمي هذا الذي يحدث ضد حياة الناس، وضد دور عباداتهم، وضد أسرهم وأطفالهم وحضارتهم، على أيدي عرب ومسلمين من أبنائهم؛ إذا لم يكن هو الجنون الذي ينافي العقل والمنطق..؟!
* قالوا قديماً: الجنون فنون، وأهل العقول في راحة، ويبدو أن ما بين العقل والجنون ليس أكثر من فاصل أدق من نسيج العنكبوت، كما قال بذلك جبران خليل جبران ذات يوم.
* أي عقل لإنسان؛ يسلم نفسه لمن يفخخ وسطه بالمتفجرات، ثم ينتحر وسط مجموعة من الأبرياء في دار عبادة أو تجمع عام..؟
* أي عقل لإنسان، يغرر بصغار الناس، ويدفع ببسطائهم، ليفجروا ويقتلوا ويدمروا..؟
* أي عقل لإنسان، يرهن نفسه لأعداء وطنه ومجتمعه، فيبيع اسمه ومعرفاته على وسائط التواصل الاجتماعي، يستخدمها آخرون لإيذاء بلده وتشويه سمعة القيادة فيها..؟
* ثم.. أي عقل يبقى لمن يتابع ويراقب هذا العبث الذي يجري في محيطه، وهذا الحمق الذي يرتكب في حق وطنه ومجتمعه دون أي مبرر كان، لا ديني ولا خلقي ولا إنساني..؟!
* قال أحد أصدقائي وهو يتحدث معي عبر الهاتف من وراء البحور، ويعبر عن معنى أن يكون الإنسان غير عاقل خير من أن يكون عاقلاً، خاصة وهو يعيش هذه الأجواء المشحونة بالبغض والكراهية والانتقام والرغبة في سفك الدماء الزكية. قال لي مودعاً: (انقل عني.. لقد ودّعت عقلي)..! ثم أردف: قد ألتقيه ذات يوم بعد زوال الغمة..!
* إن وداع العقول من أصحاب العقول؛ هو في ذاته ضرب من الجنون، ولكن.. بيع العقول أكثر جنوناً، فمن يرهن نفسه لغيره تحت أي دعوى دينية أو مذهبية أو حزبية، أو يقاتل فيقتل أو يُقتل تحت أية راية جهادية مزعومة؛ هو ممن أجّر عقله وباعه في سوق رخيصة بخيسة، تتلبس بدين الله القويم، الذي هو دين الرحمة والحياة والتسامح، وهو منها براء.
* من هان عليه تأجير عقله أو بيعه لجماعات الذبح والقتل والتفجير والتدمير، رخص في نظره الوطن الذي يؤويه، والمجتمع الذي يعيش فيه، والأنفس التي يزهقها وهو في طريقه الكاذب إلى الجنة والحور العين..!
* لفت نظري ما صرح به مؤخراً وزير الشئون الإسلامية الدكتور صالح آل الشيخ لصحيفة الحياة، حيث روى قصة غريبة عجيبة لا تخلو من طرفة، وهي تتعلق برصد أو اكتشاف ( تغريدات ) مخلة ومخالفة لأنظمة الدولة وغير سوية؛ تابعة لأحد التيارات كما قال الوزير. غرّد بها أحد علماء الدين في منطقة عسير جنوب المملكة. ثم يقول الوزير: واكتشفت الوزارة بعد استدعائه والتحقيق معه، أنه لا يعرف كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي..! وأنه سلم إدارة حسابه الشخصي إلى شركة مصرية..!!
* ألم أقل لكم أن منا من يؤجر أو يبيع عقله..؟!
* حقيقة.. لم أهضم القول بأن هذا الشيخ المبجل رجل الدين؛ الذي يسجل حساباً باسمه على مواقع التواصل الاجتماعي؛ (لا يعرف كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي)..! وبالتالي سلم إدارة حسابه (الشخصي) إلى شركة مصرية تديره وتنشر من خلاله ما تريد هي أو يريد هو.. لا ندري..!
* من قبل هذا الاكتشاف الذي يحمل دلالات مهمة في الخطر الداهم على أمننا؛ نشر بعض المصادر قبل عدة أشهر، أنه يوجد على مواقع التواصل الاجتماعي هذه أكثر من ( 300 ألف ) حساب وموقع بأسماء وهمية وأخرى معلومة، تدار من شركات ومنظمات معادية، وكلها تهاجم المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، ومن بين ما هو مجهول ومعلوم بطبيعة الحال؛ حسابات لسعوديين ليسوا ممن يجهل التعامل مع هذه المواقع، وليسوا غُفلاً عما يحاك لبلدهم بأسمائهم، فهم إذن ممن أجّر اسمه أو باعه، وهو لا يدري أنه أجر عقله وباعه، وظل يتفرج على ما يجري بسببه من إيذاء عظيم لشعب آمن؛ أغلى مكتسباته هو الأمن الذي يعيش فيه.
* سبحان الخالق جلت قدرته، الذي كرم بني آدم وميزه بالعقل الذي به يفكر ويدبر، ولولا هذا العقل في الإنسان، لتساوى الناس مع بقية البهائم. قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (22) سورة الأنفال
* ومما رواه الطبراني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (درهم أعطيه في عقل، أحب إلي من مائة في غيره).
* وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله عز وجل العقل قال له: قم. فقام فقال له: أدبر خلفك. فأدبر ثم قال له: اقعد. فقعد فقال له: وعزّتي ما خلقت خلقاً خيراً منك، ولا أكرم منك، ولا أفضل منك، ولا أحسن، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أُعرف، وبك الثواب وعليك العقاب).
* العقل يا سادة نعمة، وضده نقمة، وقد اقتضت حكمة الخالق أن يكون مدار التكليف الشرعي هو العقل، فقوام المرء عقله، ومن لا عقل له لا دين له.
* من حكم المتنبي الشعرية:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان