د. عبدالواحد الحميد
سبحان من يحيي العظام وهي رميم! فهل عادت الحياة لفكرة المقاطعة العربية للشركات المتعاملة مع إسرائيل أم أن الضمير العالمي يستيقظ من تلقاء نفسه بين الحين والآخر ثم يستسلم بعد ذلك لنوم عميق طويل!؟
لا أظن أن الشركات الأجنبية تقيم وزنًا للمقاطعة العربية، لأن المقاطعة العربية ماتت بل إنها ربما لم تكن موجودة من الأساس من الناحية الفعلية. فالشركات الأجنبية الكبرى والصغيرة أقامت وتقيم علاقات مزدوجة مع إسرائيل ومع العرب بحجة أن التجارة لا دين لها ولا وطن، بل هناك من يرى أن الأخلاق شيء والتجارة شيء آخر!
ودونما الحاجة لاستعادة تاريخ التجارة بين الشرق والغرب في أيام الاستعمار، أو تاريخ الثورة الصناعية الأوروبية وما تخللها من المظالم المروعة للطبقة العاملة التي كانت تكدح في ظروف تشبه الاستعباد، ودونما الذهاب بعيدًا إلى تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي وبحار العالم الأخرى، نقول دون الغوص بعيدًا في تواريخ مضى عليها زمن طويل أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضٍ فلسطينية مغتصبة التي يعمل فيها فلسطينيون فقدوا الأرض وتحولوا إلى إجراء بائسين؛ هذه المستوطنات تبيع منتجاتها في أنحاء كثيرة من العالم في مخالفة واضحة للقوانين والقيم والأخلاق من البلدان المستوردة لتلك المنتجات ومن الشركات العالمية التي تملك فروعًا في تلك المستوطنات أو الشركات التي تبرعت لمساعدة الاستيطان في هذه الأراضي المسروقة المصادرة.
العالم العربي مشغول بنفسه، وحتى هذا المقال الذي أكتبه عن المقاطعة لن يكون مغريًا للكثير من القراء لمواصلة قراءته حتى النهاية. فالموضوع الفلسطيني برمته صار هامشيًا في ظل المخاطر الحقيقة التي تهدد البلدان العربية التي أصبحت معرضة للتقسيم بعد أن تحولت إلى أطلال وخراب بفعل الحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية.
لكنني وجدت أن ما فعلته شركة «أورانج» الفرنسية للاتصالات في ظل هذه الظروف يدعو إلى التنويه والإعجاب. فهذه الشركة أعلنت عن نيتها وقف أعمالها في «إسرائيل» وإيقاف التعاون مع شركة «بارتنر» الإسرائيلية بسبب أن شركة بارتنر لديها أنشطة استيطانية واقتصادية في المستوطنات الصهيونية. وقد أحدثت تصريحات رئيس الشركة الفرنسية هزة في الأوساط الإسرائيلية خوفًا من أن تطبق الشركة تهديداتها وأن تتبعها شركات غربية أخرى.
من المعروف أن بعض الفعاليات الأكاديمية والفكرية والاقتصادية والسياسية وبعض منظمات المجتمع المدني في أوروبا والولايات المتحدة بدأت تتحرك ضد العربدة الإسرائيلية المتصاعدة بسبب حالة الانهيار التام في النظام العربي.
نعم لقد ماتت المقاطعة العربية، ولعل الأمل الآن هو في المقاطعة الغربية التي تأتي على شكل مبادرات خجولة من بعض الفعاليات والقوى التي تحتاج إلى الكثير من المساندة والكثير جدًا من الوقت كي تؤتي ثمارها.