د. محمد عبدالله الخازم
أنشئ المعهد العالي للقضاء في 1385هـ، وذلك لتأهيل القضاة تأهيلا عاليا. وكان للمعهد مجلس إدارة يرأسه المفتي العام للمملكة الرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية في ذلك الوقت الشيخ / محمد بن إبراهيم - يرحمه الله - ويضم في عضويته عددا من العلماء، والقضاة، والمختصين في التعليم. ولما صدر نظام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أصبح المعهد أحد الوحدات التعليمية التي تتكون منها الجامعة. « وقد تولى عمادته 15 عميداً منذ بداية تأسيسة، منهم ثمانية عمداء خلال الاثنى عشرة سنة الأخيرة، مما يعني أن كرسي عمادة هذا المعهد ليست مستقرة، في الفترة الأخيرة بالذات، وكل عام أو أكثر قليلاً يتولاه عميد جديد!
السؤال الجوهري الذي أطرحة هل المطلوب في المرحلة ما بعد الجامعية، المتمثلة في الكليات الشرعية والقانونية تأهيل القضاة أكاديمياً أم مهنياً؟ وهل من المناسب إحتكار جامعة واحدة لتأهيل القضاء أم أننا سنجد معاهد قضاة في جميع الجامعات التي لديها دراسات شرعية وقانونية؟
القضاة بحاجة إلى تأهيل مهني بعد إنهاء دراستهم الأكاديمية الأساسية من ناحية تطوير المهارات المطلوبة لسلك القضاء بشكل أكبر، مع عدم نفي أهمية تطوير مهاراتهم البحثية عبر برامج الدراسات العليا لفئة منهم كما هو موجود في أي مجال آخر. وهنا أتي على إجابة السؤال الثاني هل من الأفضل بقاء معهد القضاء تابعاً لجامعة الإمام محمد بن سعود أم أنه من الأفضل نقل مرجعيته لتكون مجلس القضاء الأعلى أو وزارة العدل؟
أعتقد أنه قد يكون مناسباً لأن تكون مرجعية معهد القضاء مجلس القضاء الأعلى أو وزارة العدل، على غرار معهد الإدارة التابع لوزارة الخدمة المدنية أو المعاهد المشابهة التابعة لبعض الجهات، وليس يمنع ذلك استمرار جامعة الإمام في تقديم برامج الدراسات العليا في التخصصات الشرعية بما فيها ماله علاقة بالقضاء تحت مظلة كلياتها الاخرى ومثلها يمكن أن تقوم به بقية الجامعات.
بقاء معهد القضاء الوحيد تابعاً لجامعة واحدة يعني إتاحة الفرصة لخريجي تلك الجامعة بشكل أكبر من غيرها للانخراط في سلك القضاء والترقي فيه وهذا موضوع قد يخل بعدالة التوظيف في مجال القضاء، ولست بحاجة هنا إلى استحضار مقالات واحصاءات سابقة كتبت في هذا الشأن. وبالذات وعدد كبير من أعضاء هيئة التدريس بالمعهد ينتمون في الأساس بعمل رسمي أو استشاري للمؤسسات القضائية والفقهية العليا. بل إن ذلك يعيق الاستفادة من خبرات الجامعات الأخرى في المجل العلمي والبحثي والاستشاري..
تطوير القضاء أمر تقوم عليه حكومة المملكة بشكل جاد وحثيث، والإنجازات في هذا الشأن عديدة وليس المجال لتعدادها لكنه أمر مهم كذلك النظر بشكل مؤسسي في أمور التطوير والتدريب لمرفق القضاء عبر تأسيس/ تحويل معهد لتطوير القضاء - وفق المسمى أو مسمى معهد تطوير القضاة أو أي مسمى آخر- يتبع مؤسسات القضاء وليس جامعة بذاتها. جامعة الإمام محمد بن سعود، جامعة عامة مثل غيرها من الجامعات و من حقنا المطالبة بتطويرها، دون استثناءها بخصوصية قد تأتي على حساب تطوير مرفق مهم كمرفق القضاء. مع التأكيد بأحقية الجامعة تبني الدراسات البحثية ذات العلاقة بالجوانب القضائية عبر كلياتها الشرعية وبرامجها البحثية. كما أنه لا يمنع أن يستعين معهد القضاء - بعد تحول مرجعيته للجهات ذات العلاقة - بالخبرات الموجودة في جامعة الإمام وغيرها من الجامعات السعودية وفق ىلية عادلة وبناء على أسس علمية تنافسية وليست احتكارية، حيث البحث العلمي لا يجب أن يحتكر من جهة واحدة والعديد من جامعاتنا لديه كليات وخبرات متميزة في المجالات الشرعية والفقهية والقانونية.