جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما اعتبره المتابعون لما يجري من متغيرات في المنطقة التي أصبحوا يطلقون عليها بـ»الشرق الأوسط الكبير»، زلزال انتخابي في تركيا، وإن جاء بدرجة متوسطة، فلم يتجاوز الخمسة بقياس ريختر الانتخابي، إذ جاء أقل منه لأنه لم يحقق طموحات الرئيس التركي رجب أردغان بأن يحصل على ثلثي أصوات الشعب ليغير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي شبيه بما يطبق في أمريكا، أوردغان الذي حصل حزبه (العدالة والتنمية) على نسبة 40.37% فقد أغلبيته المطلقة، أي أكثر من 50%، وبالتالي لا يستطيع أن يشكل الحكومة التركية القادمة بمفرده، وأصبح بحاجة إلى واحد من الأحزاب الثلاثة الأخرى التي تنافست معه على صناديق الانتخابات.
أوردغان وحزب العدالة والتنمية الذي أمام رئيسه الحالي داوود أوغلو عشرة أمام لتشكيل حكومة ائتلافية يضع أنظاره على الحزب الجديد الذي سلب ثمانين مقعداً كانت في السابق من نصيب العدالة والتنمية، حينما كان الأكراد يصوتون لحزب أوردغان الذي خاض معهم غمار مرحلة السلام، وأقدم على التفاوض مع زعيمهم عبدالله أوجلان، وإن كان عبر المخابرات التركية.
الأكراد سئموا من إطالة المفاوضات وعرقلة الأحزاب القومية التركية لمفاوضات السلام، فشلكوا حزبهم (حزب الشعوب الديمقراطي)، والحزب أطلق مسمى «الشعوب» لهدف انتخابي وتنظيمي، وليس خطأً مطبعياً، فالمقصود هنا بالشعوب «الديمقراطية»، أي أن الحزب مفتوح ويدعو كل الشعوب التي تعمل لتحقيق الديمقراطية للانضمام إليه، وهي دعوة صريحة ومفتوحة لكل ما هو غير تركي قومياً، وحتى الذين يدينون بدين غير إسلامي، وهكذا استقطبوا العلويين والمسيحيين، إضافة إلى الأكراد، وكذلك الناقمين على سياسة أوردغان حتى من أعضاء حزب العدالة والتنمية، وهم الذين يناصرون الرئيس السابق عبدالله غول. من هذا الخليط استطاع الحزب الفتى أن يحصل على 13.12% من الأصوات، أهلته للفوز بـ80 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعداً.
وبهذه المقاعد، إن استطاع مرشح رئيس الوزراء أن يقنع الأكراد بالانضمام إلى الائتلاف الحاكم سيستطيع أن يشكل الحكومة القادمة لتركيا، إذ يستطيع أن يجمع 338 مقعداً هي كافية لنيل ثقة البرلمان التركي الجديد.
حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الانتماء والهوى أعلن رئيسه عن عدم الرغبة في الدخول في ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، ولكن هذا القول قد لا يكون نهائياً، ويُعَدُّ تكتيكياً لكسب نقاط تفاوضية من حزب أوردغان، فهو الأقرب لتوجهات أوردغان ما عدا التحول إلى النظام الرئاسي، كما أنهما معنيان بالمضي قدماً بمسيرة السلام بين تركيا والأكراد، ولهما مصلحة في مواجهة حزب الحركة القومية التركية، كما أنهما يعلمان أن عدم توصلهما إلى تفاهم سيفرض إجراء انتخابات مبكرة بعد ثلاثة أشهر، الأمر الذي لا يحظى بموافقة النواب الذين يريدون أن يتمتعوا بالمزايا التي يحصل عليها النائب التركي، وهو الحصول على راتب تقاعدي بشرط ألا تقل خدمته عن سنتين، كما أن دراسات حزب العدالة والتنمية تشير إلى إمكانية خسارتهم وإلى نسبة تقل عن 40%، ولهذا فإن سيناريو تشكيل ائتلاف بين حزبي أوردغان وأوجلان هو الأقرب وإن تأخر قليلاً من أجل تحقيق مكاسب تفاوضية.