أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
أوردَ الأستاذُ (أحمد بازمول) هذه الفوائد في الموضوع في الإنترنت: ((ورد إليَّ سؤالٌ عن حديث أبي هريرة [رضي الله عنه]: لا تسبوا الشيطان فإنه يتغيظ.. ما معنى يتغيظ ؟.. فكان الجوابُ: (الحديث أخرجه أبو طاهر المخلِّص وتمَّام في الفوائد (1-311 رقم 778):
عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الشيطان فإنه يتغيظ؛ ولكن تعوذوا بالله عز وجل من شره، وصححه مرفوعاً الدوسري في الروض البسام، وصححه الألباني في الصحيحة/ المجلد الخامس؛ لكن ليس عنده لفظة (يتغيظ): واختُلِفَ في إسناده؛ فأوقفه بعض الرواة.. أخرجه ابن مَعِين في الجزء الثاني من (الفوائد) (120رقم29): عن أبي صالح: عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: لا تسبُّوا الشيطان؛ فإنه يتغيظ؛ ولكن تعوذوا بالله من شره.. وصحَّح إسناده موقوفاً محقِّقُ فوائد ابن معين، ورجَّح الدارَقطنيَّ في العلل (10-146) كونَه موقوفاً حيثُ سئل عن حديث أبي صالح: عن أبي هريرة [رضي الله عنه]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا بالله من شره؛ فقال: يرويه الأعمش، واختلِفَ عنه؛ فرواه أبو صالح الحراني عبدُ الغفار بن داود بن عيسى بن يونس: عن الأعمش مرفوعاً، وغيرُه لا يرفعه؛ وهو الصحيح.. وبالجملة - ولو كان الموقُوف هو الصواب -؛ فهذا لا يَعِلُّ المرفوعَ؛ لأنه في حُكْمِه.. وقوله: (يتغيظ): هكذا في الأصول المخطوطة؛ لكن جاء في نسخةٍ (يغتبط) [أي بالطاء المُهْمَلَةِ] كما في حاشية محقق الفوائد لابن معين.. وقوله (يغتبط) هي المرادةُ؛ لأن المعنى: لا تجعلوا الشيطان يفرح ويتعاظم؛ وهذا ما رواه رجل كان رديفَ النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعثرت دابته؛ فقلت: تعِس الشيطان؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقل تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت ذلك تعاظَمَ حتى يكون مثلَ البيت، ويقول: بقوتي؛ ولكن قل: بسم الله؛ فإنك إذا قلتَ ذلك: تصاغر حتى يكون مثل الذباب.. أخرجه أحمد في المسند (5-59، 71)، وأبو داود في السنن (رقم 4982)، وقوَّى إسنادَه ابنُ كثير في التفسير (4-576)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (ص746؛ قيل: لو كان الصواب (يتغيظ): فما توجيه المعنى ؟.. فالجواب: الذي يظهر والله أعلم: أن المعنى سيكون: لا تسبوا الشيطان؛ فإنكم إذا تركتم سبَّه يتغيظ.. أي يغضب وينتفخ قهراً وهيجاناً، والغضب معروف.. وأما على رواية (يغتبط) فكما سبق: يفرح ويتعاظم بسبِّه)).
قال أبو عبدالرحمن: هذا إسنادٌ مضْطَرِبٌ، وَمَتْنٌ مضطربٌ أيضاً.. كما أنه خبر آحاد عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، وقد روى أحاديثَ كثيرةً أكْثَر بكثيرٍ جداً جداً جداً من كبار الصحابة السابقين في صحبتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم كلِّهَم.. وَحُفِظَتْ له أوهامٌ كثيرة؛ ولو فُرِض أنَّ المَتْنَ مِن قولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو فرضٌ بعيدٌ جِدّْاً -: فإنَّ النصَّ في غيرِ مَحَلِّ النزاع، وهو وجوب - لا مُجَرَّدُ جوازِ - لَعْنِ الشيطان.. لَعَنَ الله شياطين الجنِّ والإنْسِ لعائنَ تترى ما تعاقبتْ الأيامُ والأعوام.. وأما مَن سَبَقَ في علم الله سبحانه وتعالى أنه سيهتدي ويتوبُ، وأنَّ اللهَ سيتوب عليه كقرين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسْلَمَ؛ فَقَبِلَ اللهُ توبَتَه؛ فكان لا يأمرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير فالجوابُ: أنَّ لعْنَنَا إيِّاه قَبْلَ ذلك إنما يَحِلُّ عليه قبل توبتهِ؛ لأننا لا نعلم الغيبَ؛ ولأننا نعملُ بِما عَلَّمنا الله إياه، ونعملُ اِعتقاداً بأننا لا نَحْكمُ على مُعَيَّنٍ بحنةٍ أو نارٍ، ونرجُوُا [الواو واوُ جماعة لأنه شامِلٌ مَنْ كانت هذه عقيدته ممَّن سلف، ومِمَّنْ سيولد] للْمُحْسِنِ الثَّوابَ إلا مَنْ ماتَ وهو على عِلْمنا بكفرِه يقيناً أو رجحاناً: فإننا نلعنه؛ لأنَّ اللهَ أوصانا بلعنِ الكافرين.. وهكذا مَن مات مُسْتَتاباً عن الكفرِ مِن القضاء، ولمْ يعدِلْ عن كفره، ووجدنا أنَّ كلَّ ما يلْزمُه من الكفرِ لم يتخلَّصْ، ولم نجدْ له مَخْرجاً يَمْنَعُ الْتِزامِه ما يلزمُ من الكفرِ شارحاً صدره بالكفر؛ ولنا الأجْرُ العظيم من ربنا سبحانه وتعالى في لعننا إياه.. وقرين رسول الله صلى الله عليه وسلم نَتَرَضَّى عنه كلَّنا جرى الحديثُ حوله؛ فأقول الآن: رضي الله عن قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والفعلُ الماضي (رضي ) مُجَرَّدٌ للدعاءِ، ولا يُحْمَلُ على الخبرِ إلا في مَواضِعَ مُعَيَّنَةٍ دلَّ البرهانُ على أنه خبرٌ لا دعاءٌ، فالعُرْفُ اللغوي قاطع بأنَّ الأصلَ الدعاءُ، وأنه مرادُ المُتَكَلِّم إذا فُقِدَ البرهانُ على غير ذلك.. وَحَقٌّ على مَنْ نَفَثَ وقرأَ على مَنْ به مَسٌّ من الجنِّ: أن يَعِظَ الجانَّ؛ فإنْ عانَد فَلْيَلْعَنْه بلعنةِ الله: هكذا عَمِلَ من تَحَرَّى مذهبَ السلفِ من أهل السنةِ والجماعة كما صَحَّ عن الإمام أحمدَ رحمهم الله جميعاً، وأَخْتمُ بِما بقي عن حياة (موريس بوكاي ).. قال: ((في عام 1935م: كنت في الخامسةَ عَشَرَةَ [عاماً] من عمري: وكنت ما أزال طالباً في مدرسة مسيحية.. وفي تلك الفترة أعلن الأب (بيرونيه (Peyrony؛ وكان أحد علماء الأحافير الجيولوجية: عن اكتشافِ رسوم بشرية في كهفٍ في جنوبَ أسبانيا أُرْجِع تاريخُها إلى (15000 عاماً)، هذا [وكُنّْا] في الوقت الذي كنا نقرأ فيه في كتاب الدين بالمدرسة: أن تاريخ ظهور الإنسان الأول على الأرض يرجع إلى (4000) عام قبل المسيح [ابنِ مَرْيَمَ عليه السلامُ]: [قد]، أصابتني حَيْرة فسألتُ الأب مدرّس الدين: أيُّ التاريخين أصدق؟.. أجابني قائلاً: من فضلك: لا تخلط بين شيئين مختلفين: هناك العلمُ في جانب، والدين في جانب آخر؛ وعندما يقع تعارض بينهما: فإن ما يقوله الدين هو الحقيقة.. قلت له: لا يمكن.. هذا مستحيل.. هذه حقيقة علمية تمت البرهنةُ عليها.. كيف يمكن إرجاعُ تاريخ ظهور الإنسانِ على الأرض إلى ما يقوله كتابُ الدين؟.. [قال أبو عبدالرحمن: هذا العلمُ وذلك الحجاجُ مُسْتَبْعَدٌ عن ابنِ خمسةِ عشرَ عاماً، والله أعلم..] قبيل اندلاعِ الحرب العالمية الثانية: توجَّه (موريسْ بوكاي) إلى العاصمة الفرنسية؛ ليلتحق بمدرسة (كلية الطب) بجامعة باريس، وعندما وضعت الحرب أوزارها في عام 1945: كان (بوكاي) قد أنهى دراستَه الأكاديمية؛ ليعمل بعيادة الجامعة جرَّاحاً شاباً في الأمراض الباطنية، مع التخصص في طبِّ الأمعاء.. وإلى جانب عمله كان (بوكاي) يقوم بالتدريس على نحوٍ مُنْقَطِع في الكلية، وقد عدَّ هذا التكليفَ مِن قَبِيل التقدير بتفوِّقه في الدراسة الأكاديمية... وإذا كان بإمكان (بوكايَ) الاعتزازُ بعمقِ معرفته بالكتب المقدسة اليهودية والمسيحية: فإنَّ ولعَه الأصيل بالْـمَصْرِيَّاتِ يشكِّل العاملَ الثاني في اهتماماته المتنامية منذ سِنيِّ شبابه الأولى؛ فالتحق في مطلع الخمسينات بالجمعية الفرنسية للمصريات التي تأسست في باريس في عام 1923م حيثُ دَرَسَ (الهيروغليفية) لغةَ الحضارةِ المصرية القديمة.)).
قال أبو عبدالرحمن: هذا التقديرُ السَّخِيُّ للأعمار بآلاف السنين لا يوجد برهانٌ شرعيٌّ، ولا عَقْلِيٌّ، ولا حِسِّي يُصَحِّحُهُ وَيُعَيِّنُه.. وآلةُ تقدير الأعمار بثلاثة آلافِ سنةٍ وَهْمِيَّةٌ، وبثلاثمئة عام ظنيِّةٌ على سبيل الرُّجحان؛ ولهذا نقاشٌ في المستقبل بعونِ الله تعالى، وإلى لقاء عاجلٍ إن شاء الله تعالى، والله المستعان.