سعد بن عبدالقادر القويعي
بيئات التطرف لها مقومات تقوم عليها، وبيئة تنمو فيها، ومناخ تنشأ عليه، وتقتات فيه، -إضافة- إلى أن المشاعر السلبية تجعل من يتلبسها فريسة سهلة ؛ للتأثير بأفكار متطرفة ؛ من أجل تغيير الواقع -زعموا-. وعندما نتحدث عن المنزلقات نحو الأفكار المتطرفة، فإنني لا أستطيع أن أغفل دراسة علمية أظهرتها حملة « السكينة « استطلاعا للرأي، مع مراعاة ما تحمله هذه الاستطلاعات من هامش خطأ، بأن: «أكثر مكان يتعرض فيه الشباب للأفكار، والتأثيرات الفكرية هو المدرسة، بنسبة تصويت من المواطنين بلغت 67.57 في المائة «، وأوضح الاستطلاع الذي لا يزال مفعلا ؛ حتى كتابة هذا المقال، بأن: «15.58 في المائة من السعوديين، يؤكدون أن معظم التأثيرات الفكرية تأتي من المنزل، في حين يرى 16.68 في المائة، أن الأفكار التي يتأثر بها الشباب واردة من المساجد».
يتشكل عقل الطالب بالمؤسسة التعليمية، فإذا كانت المخرجات، والنتائج لا تعكس الانتماء، فإن الطالب قد يتعرض للانحراف الفكري ؛ بسبب عوامل عدة، قد ترجع بعضها إلى البيئة المدرسية، أو إلى الطالب -ذاته-، أو لكليهما معا. وعندما نكتب عن دور العملية التعليمية، وعن قصورها في أداء بعض الأدوار المناط بها، فإننا لن نستطيع مناقشة الدور المأمول من المؤسسات التربوية تجاه الفكر المتطرف، بمعزل عن تطوير أركان العملية التربوية، والمتمثلة في : الطالب، والمنهج، والمعلم.
تعتبر المؤسسات التربوية من أهم مداخل الإصلاح الفكري في المجتمعات، -ولا شك لدي- أن المناهج الدراسية كانت لها آثار إيجابية، ساهمت في المحافظة على الأمن الفكري، بل استطاعت أن تشكل حجر الزاوية في حفظ المجتمع من الجريمة، والانحراف، كونها تساير الواقع الاجتماعي بقابليتها للتعديل، وذلك حسب مقتضيات العصر. ثم إن تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، وإشاعة أدب الاختلاف، وفن الحوار، وإشباع ميولهم في أجواء تربوية آمنة، وتحت مظلة رسمية، ستؤسس شخصية متوازنة. وهذا الأمر يستدعي ضرورة تحديد المهددات الفكرية، والاجتماعية ضمن أولويات المنهج الدراسي، وتفعيل دورها في حماية أمن المجتمع المحلي. ومن ذلك على سبيل المثال : ضرورة الاهتمام بتعميق الولاء الوطني - سلوكا وممارسة -، وليست موادا نظرية تدرس بعيدا عن الواقع، والتي لم تتوافق مع سياق، ونسق القيم، والأفكار، التي يؤمن بها بعض ذوي الانحراف الفكري، - وكذلك - التسليم بتعدد الأبعاد، والرؤى، والعمل على التواصل مع الآخرين دون صراع، أو تسفيه.
وعلى أي حال، فإن الأرقام الواردة في تقرير حملة «السكينة»، تشير في رأيي إلى ضرورة حسن اختيار عضو هيئة التدريس في جميع المراحل التعليمية، وبمعايير دقيقة، باعتبار أن الهيئة التعليمية تمثل البدائل للآباء، عن طريق تعزيز الاستجابات المرغوبة، وتدعيمها، وإضعاف الاستجابات السلبية، وإطفائها لدى الطلاب. كما أن استشعار الواقع، والتأمل فيه، يقتضي طرح الحجج، والبراهين المقنعة للأفكار، ومناقشتها بشكل مجرد من صيغة الأوامر، والنواهي ؛ من أجل تدريبهم على احترام الرأي الآخر، وتعويدهم على التسامح الفكري، فيما لا يخص الجوانب العقدية.
يمكن القول: إن تعديل الاتجاهات، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتصويب الفكر المنحرف، يستدعي تكاتف المجتمع بكل مجالاته، وصوره ؛ لتحقيق أهداف الأمن الشامل، والذي يؤثر بشكل مباشر في سيادة الدولة، واستقرارها، وفي تحقيق التنمية، وتطورها. -وعكس ذلك- سيؤدي إلى تهديد الأمن الوطني بكل مقوماته، وسيكون خطرا على النظام السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي ؛ مما يستدعي وعيا حقيقيا بضرورة تحقيق الأمن الفكري، والثوابت العقدية، والمقومات الأخلاقية.