د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعد رفض دول أوبك بقيادة السعودية تحمل عبء العمل لتحقيق استقرار سوق النفط وحدها، بعدما استفادت الدول المستقلة من إستراتيجية أوبك في الفترة الماضية بالإبقاء على الأسعار مرتفعة قرب 100 دولار للبرميل، وفي الوضع الحالي يبعث على بالغ القلق للجميع، أليس هذا الوقت المناسب لتقاسم هذا العبء؟.
خصوصاً أن أوبك تضخ فقط ثلث إمدادات النفط في العالم، وهناك زيادة في المعروض تبلغ 1.52 مليون برميل يومياً في 2015 و2.78 مليون في النصف الأول، وهو ما يتجاوز كثيراً الفائض المتوقع في تقرير شهر مارس.
لم تلتفت السعودية للصقور في أوبك من أجل التوجه نحو تحقيق استقرار سوق النفط من خلال خفض الإنتاج، بينما واصلت السعودية ومعها بقية دول أوبك التي تؤمن بنفس النهج برفع الإنتاج في مارس، وهو ما يزيد من تخمة المعروض العالمي على الرغم من ظهور أدلة جديدة، على أن إستراتيجيتها الرامية للسماح بهبوط الأسعار بدأت تُؤتي أُكلها.
إذ جرى إغلاق 400 منصة نفط في الولايات المتحدة وكندا في مارس 2015 ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2010، وانخفض إنتاج النفط الخام في الدولتين في يناير الماضي، أي أن شعلة النفط الصخري قد تنطفئ مع تفاقم خسائر الشركات الأمريكية، حتى أصبح العاملون في القطاع يدفعون فاتورة تصحيح أوضاع السوق، ويواجهون خطر تقليص الاستثمارات، فيما حذرت أوبك من تسونامي تقاعد في القطاع النفطي العالمي بعد احتمال توقف ضخ تريليون دولار كاستثمارات.
بينما استثمارات النفط والغاز في السعودية تنمو بنسبة 5-10 في المائة هذا العام، في حين تنخفض الاستثمارات العالمية 20 في المائة، بسبب أن شركات التنقيب والإنتاج في الولايات المتحدة التي قادت ثورة الزيت الصخري هي الآن في الأغلب تعاني عجزاً نقدياً، أي أن صناعة النفط كأنموذج للسوق يُواجه اختباراً وجودياً.
نمو المعروض وزيادة المخزونات الأمريكية قد تُؤخر تعافي السوق، وتعرقل مؤقتاً الاتجاه الصاعد لأسعار النفط، لكن السوق تجاوز مرحلة التقلبات السعرية الحادة، بل هناك توقعات بصعود أسرع من المتوقع لسوق النفط، خصوصاً أن مخزونات الخام الأمريكي تسجل أدنى زيادة له هذا العام كانت آخر زيادة منتصف أبريل 1.3 مليون برميل، وهي أقل من توقعات المحللين بزيادة قدرها 4.1 مليون برميل.
أوبك ليست ضد الإنتاج الصخري، لكن مع ضبطه بما يحفظ استقرار السوق، تبقى ضغوط الأسعار والقيود البيئية تقودان إلى تراجعات تدريجية في إنتاج النفط الصخري، مما جعلت المنتجين يسابقون الزمن لخفض التكاليف للاستمرار في المنافسة.
لكن ندرة الاكتشافات تخيّم على مستقبل مجموعات النفط الكبرى، بعد أن انخفضت اكتشافات احتياطيات النفط والغاز الجديدة العام الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين، بينما توقع زيادة الاستهلاك العالمي إلى 105 ملايين برميل يومياً في 2025، ويتوقع تعافي الاقتصاد العالمي بنسبة تتراوح بين 3 و 4 في المائة خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة ليبلغ إجمالي الناتج العالمي 120 تريليون دولار في عام 2030 مقارنة بـ 75 تريليوناً حالياً.
إذا كان التوسع في إنتاج النفط الصخري وسوائل الغاز الطبيعي يثير مخاوف بيئية، بينما النفط لا يزال مورداً أساسياً في خليط الطاقة المستقبلية، ولا يزال يشكّل النفط في قطاع النقل 60 في المائة من الاستخدام العالمي، إلى جانب الاهتمام الدولي الواسع بتطوير استخدام النفط في القطاعات الأخرى الحيوية مثل البتروكيماويات وغيرها، إلى جانب التوسع في الاستخدامات الصناعية والسكنية والتجارية والصناعية.
سيظل النفط الخام المحرك الرئيس للتنمية في مختلف المجالات لعقود مقبلة، على الرغم من أن مصادر الطاقة البديلة والجديدة تشهد أيضاً نمواً متوازياً، ولكن انخفاض تكلفة النفط الخام خصوصاً التقليدي الذي تنتجه أوبك سيمنحه عديداً من الميزات التنافسية، خصوصاً في ضوء التراجع السعري الكبير الذي شهدته السوق العالمية.
ستظل أوبك لاعباً رئيساً في السوق بسبب أنها تمتلك 70 في المائة من الاحتياطيات، بينما السعودية تمتلك 22 في المائة من الاحتياطيات، وتنتج 30 في المائة من إجمالي دول الأوبك، و50 في المائة من إنتاج دول الخليج، على الرغم من التحولات والمتغيرات التي شهدتها سوق النفط، ولكن لن تنال متغيرات السوق من القوة الأساسية لمنظمة أوبك، وأن المتغيرات الحالية لا تمثّل سوى صدمة مؤقتة، لن تغير مسيرة وتأثير أوبك بقيادة السعودية كأكبر منتج في السوق العالمية.
ملامح ومتطلبات السوق تغيرت، وتمتلك أوبك العديد من الآليات لمواجهة هذه المتغيرات بعيداً عن خفض الإنتاج في المرحلة المقبلة، إلا إذا وافقت الدول المستقلة خارج أوبك على التوحد، وأبدت السعودية استعدادها للمساعدة على تحسين أسعار النفط، لكن بشرط مشاركة المنتجين الآخرين في ذلك.
هناك تفاهمات متوقعة بين أوبك وروسيا قبل اجتماع يونيو القادم، خصوصاً في ضوء ظروف السوق الراهنة التي تتعافى فيها السوق من مرحلة انخفاضات حادة دفع فاتورتها بشكل أساسي اقتصاد روسيا واقتصادات دول أوبك.