د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991 يدور السؤال الأصعب الذي واجه العالم هو ما إذا كان يمكن لنظام مالي واقتصادي متكامل البقاء في ظل ارتفاع المنافسة بين القوى العظمى أبرزها بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008.
انكشفت الانقسامات داخل الدول المتقدمة عندما أقنعت الصين عديداً من حلفاء الولايات المتحدة من الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية في مقره بكين، يأتي التحرك نحو التعاون في ظل ظهور مؤسسات جديدة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين ويبلغ رأسماله المبدئي 50 مليار دولار.. وتبلغ رأسمال البنك الآسيوي للتنمية 165 مليار دولار، بينما يبلغ إجمالي أصول البنك الصيني للتنمية 1.6 تريليون دولار، انضمت دولة الإمارات إلى 34 دولة مؤسسة للبنك بما فيها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا ودول أخرى.
عدد من الإستراتيجيين يرون أن ما يحدث هو تصادم بين الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية، خصوصاً بعدما جرى من نقاش داخل الغرب حول المزايا الإستراتيجية، أو خلاف ذلك بسبب أن الصين تريد تعزيز وزنها أو مكانتها في الشئون العالمية.
لذلك يدور سؤال مهم هو هل البنك الآسيوي تكملة للقواعد الموجودة حاليا للتمويل العالمي؟ أين ينبغي للقوى القديمة إحداث التوازن بين الانخراط مع البنك الآسيوي والتحوط ضد القوة الصينية الصاعدة؟. الولايات المتحدة ترى أن الدول الغربية تسعى للانضمام للبنك الآسيوي مدفوعة بالانتهازية الاقتصادية بدلاً من الحسابات الجيوستراتيجية، وتراه الولايات المتحدة أنه انعكاسا للفوضى البيروقراطية بقدر ما كان حكماً مدروساً.
هناك من يرى أن هذه المرة قادت الجغرافيا الاقتصادية الجغرافيا السياسية بل وانتصرت عليها، وبدأت الجغرافيا الاقتصادية تعزل الجغرافيا السياسية، ولكن البعض يرى أن حدوث مثل هذا نوع من الوهم. رغم اجتماع الانتهازية الأوربية والحساسية الأمريكية، خصوصا وأن الولايات المتحدة تخشى من تأثير الترتيبات الجديدة على مثل الشراكة المقترحة وميثاق الاستثمار والتجارة عبر الأطلسي المدعومة من الولايات المتحدة.
الجميع يرون أن الصين القوة الاقتصادية الجديدة الصاعدة في العالم، والجميع يريدون أن يكونوا شركاء مميزين في تلك الشراكة الجديدة، خصوصاً وأن التعددية التي قادتها الولايات المتحدة أفسحت الطريق للثنائية والتعددية التنافسية، ويمكن اعتبار الترتيبات الجديدة امتدادا للتعددية التي قادتها الولايات المتحدة في الفترة الماضية، بما فيها الشراكة عبر الأطلسي، وخطة الصين لتأسيس بنك بريكس ومشروعها طريق الحرير الجديد لبنات أساسية للتعاون الدولي الأوسع.
وفق ترتيبات التعايش متعددة الأطراف، تحتاج إلى الربط بين الاقتصاد والسياسية لدعم النظام القائم على القواعد في الوقت الذي يمنح فيه الصين والآخرين نفوذا مستحقاً في هذا النظام تحل مكان المؤسسات الأكثر خصوصية والتي هي من مخلفات الحرب العالمية الثانية.
رغم أن البعض يتخوف من انعكاس تنافس متوقع بين الولايات المتحدة والصين على المديين المتوسط والطويل، بأن تكون جميع الأطراف خاسرة لأنها تعتبر أن التكامل المالي والاقتصادي العالمي سيقع فريسة التعريفات الأضيق المتعلقة بالمصالح الوطنية الضيقة وقواعد المنافسة، لكنه تخوف فيه شئ من المبالغة، بل تقود تلك الترتيبات الجديدة العالم إلى تعزيز التعددية القائمة في الفترة الماضية والتي عززت من تحرير التجارة العالمية.
هذا لا يعني أن القرن الأمريكي انتهى، وأن الصين ستحل محلها، وكثير من التنبؤات بالمسار المستقبلي للدول الكبرى وخصوصا فيما يتعلق بتراجع الولايات المتحدة فشلت، وأخفقت في فهم جوانب القوة النسبية والمرونة في النظام الأمريكي.
ولا زالت الولايات المتحدة تمتلك العديد من القوى الرئيسية النسبية منها القوة الاقتصادية الثروة الحقيقية لبقية القوى، والقوة الصلبة ( العسكرية لا زالت ميزانيتها 581 مليار دولار، بينما ميزانية الصين العسكرية تبلغ 130 مليار دولار) وكذلك القوة الناعمة، بينما لدى الصين قوة واحدة تتحدى بها الولايات المتحدة وهو الاقتصاد، ومن المتوقع أن يستمر القرن الأمريكي لعدة عقود، فإن هذا بحد ذاته يساعد في استدامة دور أمريكا.
لا زالت الولايات المتحدة تستفيد من الظروف الجيوسياسية المواتية أكثر من الصين بكثير، لأن الولايات المتحدة محاطة بمحيطات، بينما الصين محاصرة من قبل منافسين محتملين مثل الهند وروسيا وحلفاء للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أي لا تزال أمام الصين مسافة طويلة جداً حتى تتمكن من تحدي مكانة الولايات المتحدة، ولا تزال الولايات المتحدة القوة العسكرية المهيمنة واللاعب الإستراتيجي في الشرق الأوسط وأوربا وأمريكا اللاتنية.
يمكن أن نرى الصين تشكل تحدياً خطيراً للهيمنة العسكرية الأمريكية على منطقة آسيا والمحيط الهادي بوصفها جوهر الاقتصاد العالمي، هنا يمكن أن يقود إلى تآكل قوة الاقتصاد الأمريكي، بالتأكيد قد تكون له آثار عالمية، ولكن الولايات لا تبني الاحتفاظ بالقوة على تصورات ولا على تنبؤات بل على تبني الاحتفاظ بالقوة على عوامل جيوستراتيجية والتركيز على بقية عوامل القوة الأخرى.