لبنى الخميس
لم أتوقع وأنا أترقب كلمة مذيعة محطة السي ان ان (إيرين برنيت) في اليوم الافتتاحي لمؤتمر «تواصل» في دبي في دورته الرابعة والعشرين الأسبوع الماضي، بأنها ستقتطع جزءاً لا بأس به للحديث عن المملكة العربية السعودية، بلغة غاضبة وناقمة، افتتحتها بمقطع فيديو للمواطنة السعودية لجين الهذلول، وهي تقود سيارتها من أبوظبي باتجاه حدود المملكة العربية السعودية، مؤكدة بأنها منعت من الدخول إلى بلادها، وتم حبسها لأكثر من شهرين نظير جلوسها خلف مقود السيارة، العلامة الحصرية الرجالية في السعودية.
ولا جديد في ذلك، إذ تناقلت وسائل الإعلام العالمية هذه القضية بكثير من السخرية والنقد اللاذع، لكن ما أثار تعجبي هو تشبيه برنيت المملكة بتنظيم داعش دون وجه حق، إذ حصرت هذا التشابه في ثلاث نقاط رئيسية تشترك بها السعودية مع التنظيم: أولها بأن داعش يحظر قيادة المرأة للسيارة، ثانياً، يمنع نساءه من السفر خارج أراضي الخلافة دون إذن من أولياء أمورهن، وأخيراً، يحرم خروج المرأة دون عباءة وغطاء رأس.. وبذلك أصبح لدينا دولتان تتشاركان في بنية فكرية مفخخة أنتجت هذه القوانين بحق المرأة على حد قول برنيت.
على الرغم من امّتعاضي الشديد من تلك المقارنة الجائرة، بين خلافة طارئة بنيت فوق رفات دول مفتتة، تنامت قوتها استناداً على لغة القتل والتدمير واستباحة دماء المسلمين، وبين دولة مدنية ناهضة ونامية مثل المملكة عضوة الأمم المتحدة وأوبك، لها ثقلها السياسي والاقتصادي، وأيادٍ بيضاء على الكثير من دول العالم، بما فيها محيطنا العربي..
إلا أن واجبي ككاتبة ومواطنة قبل ذلك، يملي على بأن أسلط الضوء على ما خلف الأشياء، وما بين السطور، دون محاباة أو تزييف، فصورة المملكة باتت مشكلة متفاقمة، يستشعر ذلك الطلبة المبتعثون في الخارج أو السياح الذين يخوضون في نقاشات عابرة.
وإحدى أكثر القضايا التي شوهت صورة المملكة، هي ملف قيادة المرأة السعودية للسيارة، الذي بات الرابط الذهني الفكاهي والمثير للدهشة بنا كوطن، ما يجعل المواطن السعودي يصاب بالقلق، وذلك لأنه يأتي من بلد ذي إرث قديم وجديد لدى المجتمعات الغربية. فما نعتقده في السعودية، بأن بعض الأحداث المحلية، التي لا تمثل رأي الأغلبية، تمر مرور الكرام ولا يتجاوز صداها حدود العالم العربي، مثل تصريح ذلك الشيخ بأن قيادة المرأة تؤثر على الحوض والمبايض، أو احتجاز المواطنة لجين الهذلول لأنها قررت أن تعبر حدود بلادها باستخدام وسيلة نقل مسالمة، وليس دبابة حربية، خاطئ! إذا تحظى هذه الأخبار باهتمام كبير، وتفرد لها مساحات واسعة من التغطية والنقاش، نظير جرعة الغرابة والطرافة التي تتمتع بها، دون أو يوفر المحررون فرصة طبع كلمة «سعودية» في واجهة تلك الأخبار المثيرة.
ما جعل المملكة السعودية تستأثر عبر السنين بكعكة الدول الأكثر تصديراً لأخبار عدم تمتع المرأة بحقوقها كاملة، وعلى رأسها حظرها حق قيادة المركبة عنها، دون أن يخلو الموضوع من جرعة تناقض غريبة، إذ تعمل المرأة السعودية في مجالات إنسانية ومهنية مختلفة، مثل الطب والتعليم والصحافة والعمل الاجتماعي، كما أنها نائبة وزير، ورئيسة تحرير، وعضوة مجلس الشورى، وهي أيضاً امرأة أعمال، تودع البنوك مليارات من مداخيلها المختلفة.. ورغم ذلك هي ممنوعة من قيادة سيارتها.
نعم، امنحوا المرأة حقها في القيادة، واحتفوا بها كقائدة وأم وسيدة مجتمع ناضجة وواعية، أسهمت في دفع عجلة التنمية الوطنية، عبر تعزيز ثقتها واستقلاليتها بنفسها ومنحها «حقها» الذي لا نملك تجاهه فضلاً أو منة، وأوقفوا عمليات التشويه الممنهجة التي تتعرض لها المملكة نظير تلك القضية الصغيرة المعلقة، إذ بات أبناؤها في الخارج يدفعون ثمن تعنّت وتسلط «قوى وهمية» رفضت تعليم المرأة وحاربت الفضائيات، وحذرت من شرور كاميرا الجوال، محاولة إلباس القضية لباساً دينياً.. ولو استمعت الدولة لهم.. لما تمكنت من الخروج من قفص الانغلاق والتشدد، وعاشت في غياهب الظلام لكن القيادة أبت إلا أن توجد لها مكانة راسخة في هذا العالم، مستندة على قوة التعليم، وعدالة تأمين فرص متكافأة في العمل، والابتعاث الخارجي.. لتظل قيادة المرأة ملفاً متورما ًبانتظار حل يوازي ما صرف من الجدل حوله.