محمد بن عيسى الكنعان
العاقل المتأمل في الأحداث الجسام والوقائع الخطيرة كالأعمال الإرهابية والجرائم الإنسانية؛ لابد أن يقرأ كامل المشهد، ويتمعن في خلفيات الحدث، ثم يبحث وفق نظرية: من (المستفيد) ومن (المتضرر)؟ لهذا فالحادث الإرهابي والجريمة النكراء التي وقعت في مسجد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قرية القديح بالقطيف، لا تؤخذ بمعزل عن الاضطرابات الجارية في المنطقة العربية، بخلفياتها التاريخية، ومواقف أطرافها السياسية، والمحركين لأحداثها الدموية.
فعندما يكشف الجنرال جورج كيسي قائد القوات العراقية السابق في العراق العام 2013م، بأن (فيلق القدس) الإيراني كان وراء تفجير مرقدي الإمامين الهادي والعسكري بمدينة سامراء العام 2006م، ما سبّب إشعال نار الفتنة بين السنة والشيعة العراقيين، فلا بد أن نجعل هذه المعلومة الخطيرة منظاراً لإعادة مشاهدة كل صور أحداث تفجيرات مساجد الشيعة في العراق، وما تبعها من شلال الدم العراقي الهادر بين السنة والشيعة، ثم نستشعر أبعاد الدور الصفوي الخبيث في كل ما يجري بين أتباع الطائفة الشيعية وأهل السنة على امتداد عالمنا العربي. منها ما وقع العام 2014م؛ عندما تم ضبط إيراني كان يحاول تفجير حسينية في السليمانية التابعة لكردستان العراق كي يدخل الشيعة في حرب طائفية مع الأكراد (السنة). أيضاً عندما نستذكر أعمال إيران في مواسم الحج بالمظاهرات السياسية والشعارات المعادية لأمريكا وإسرائيل، ثم نستيقظ على (زواج متعة سياسي) بين الملا الإيراني والشقراء الأمريكية، المهر فيه الاتفاق النووي، ومؤخره إطلاق يد إيران في منطقتنا العربية، فلابد أن نعيد قراءة كل الأحداث والحروب الأهلية. وعندما يقوم تنظيم (داعش) الإرهابي بتفجير مسجد القديح، من خلال تجنيد أحد كلاب النار التابعين له، ونحن في العام 2015م، رغم أن هذا التنظيم ظهر وتشكل في العام 2010م، ولم يتعرض لأي مرقد أو مسجد شيعي في العراق رغم قدرته على ذلك، فلابد أن نعي تماماً أن المقصود بالعمل الإرهابي، الذي وقع في القديح هو ضرب الوطن في وحدته وأمنه واستقراره، من خلال محاولة إشعال الفتنة الطائفية بين مواطنيه من سنة وشيعة، وتكرار السيناريو الطائفي بالعراق (لا قدر الله).
وهذه إستراتيجية فاشلة -ولله الحمد- حاول تنظيم (القاعدة) تطبيقها خلال الأحداث الإرهابية العام 2003م، وما بعدها، عندما فجّر مجمعات سكنية لغربيين؛ من أجل ضرب العلاقة بين الدولة والأجانب العاملين في المملكة (المستأمنين)، ففشل، ثم فجّر مقار أمنية، من أجل ضرب الثقة بين الدولة والمواطنين، ففشل، بل العكس اتحد الشعب السعودي خلف قيادته، وحكومته، وأجهزته الأمنية؛ حتى تمكنت وزارة الداخلية من قصقصة أجنحة هذا التنظيم المجرم، وتدمير بؤره العفنة، وملاحقة فلوله، بل والقضاء عليه بضربات استباقية.
واليوم؛ يحاول تنظيم (داعش) الإرهابي، الذي لا يقل جرماً إن لم يكن يفوق (القاعدة) بذلك، يحاول أن يطبّق تلك الإستراتيجية داخل النسيج الاجتماعي السعودي، عبر ضرب الوحدة الوطنية، التي تجمعنا سنة وشيعة، من خلال تفجير المساجد؛ لأنها دور العبادة وهي بيوت الله وأغلى الأماكن وأشرفها، من هنا لابد أن يُدرك الإخوة الشيعة أبعاد المؤامرة القذرة، فليست الطائفة الشيعية هي المستهدفة، إنما كل الوطن، و(داعش) يكمن في التفاصيل كالشيطان بمخططه الإجرامي، بدلالة أن الإرهاب حاول النيل من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية (يحفظه الله) العام 1430هـ (2009م)، عن طريق أحد المطلوبين أمنياً، الذي زعم أن لديه الرغبة لتسليم نفسه. لكن الله سلم أميرنا وذهب الإرهابي إلى حتفه. كما أن إرهاب (داعش) نال من المواطنين السنة قبل أن يفجروا مسجد الشيعة، فالإرهابي صالح القشعمي الذي نفذ جريمة القديح؛ ينتمي لذات الخلية التي قامت بإطلاق النار على حراس إحدى المنشآت الحيوية قبل شهر؛ فقتلت الجندي ماجد الغامدي (عليه رحمة الله) وأحرقت جثته. لا شك أن مصاب أهالي القديح عظيم، والألم كبير، والإحساس بالمصيبة عميق، لكنه مصاب كل الوطن وليس الشيعة فحسب، فالشيعة مكون رئيس من مكونات هذا الوطن الغالي، ومن ينظر إلى كامل المشهد يعي أننا نحارب إرهاباً شيطانياً يلعب بورقة الطائفية، لكونها أقرب وأسرع ما يثير العواطف ويجعل العقول تفقد صوابها، محاولاً استنساخ واقع مجتمعات عربية تعيش الموت كل يوم. غير أننا متحدون أمامه، واخترنا أن نعيش الحياة وفق منهاج ربنا، في ظل وحدة دولتنا العزيزة بقيادتها الرشيدة وكل مكونات شعبها الأصيل، في حدودنا الشمالية أو الجنوبية التي تعرضت لعدوان (داعش) والحوثي، أو في بلدات المنطقة الشرقية بالقديح والدالوة.