رجاء العتيبي
في مستهل العام الحالي ناقش أعضاء مجلس الشورى مأزق الثقافة والفنون في السعودية، ونشرت الصحف حينها مداخلات الأعضاء الذين أكدوا على ضرورة دعم جمعيات الثقافة والفنون لتقوم بدورها الكامل، وأشاروا إلى أن نشر الثقافة والفنون بشتى وسائلها: المهرجانات، والمؤتمرات، والملتقيات، والاحتفالات، والمعارض... إلخ، كفيل بمحاربة الغلو والتطرف والإرهاب والإدمان باعتبارها محفزات فكرية توسع من مدارك الناس وتعزّز الإحساس بالجمال وباعتبارها تمثل ضرورة إنسانية وليست ترفاً.
لا يختلف أحد على أن الثقافة والفنون عنصر فاعل في مساندة الجهات الأمنية على محاربة الإرهاب والتطرف، ولكننا نختلف على أن مجلس الشورى اكتفى بمجرد (مناقشة) مضى عليها 6 شهور من دون (أفعال)، في حين الإرهاب يطور أدواته على مدارس الساعة، ويتكيّف مع الأحوال الاجتماعية والسياسية والعسكرية بسرعة فائقة، أما الثقافة والفنون فما زالت مناقشات وتوصيات وأفكار لا يختلف عليها أحد، والنتائج لا تصل إلا بعد فوات الأوان.
أول منشأة ثقافة كبرى هي (مركز الملك فهد الثقافي) بنيت قبل 3 عقود تقريباً واستمر بدون عمل حتى افتتاحه العام 2000م، فلا قبلها ولا بعدها جاءت منشأة أخرى مخصصة للثقافة، وكل ما هنالك (قاعات محاضرات) في عدد من الجامعات لا تدعم أعمال الثقافة والفنون بالشكل الكافي عطفا على أنها غير مهيأة معمارياً لهذا النوع من الأنشطة، وحجزها يحتاج إلى معاملات وأيام وشهور.
هذا مثال حي شاخص أمامنا، يؤكد أن المناقشات والتوصيات لا حاجة لنا بها بقدر حاجتنا إلى (أفعال مرنة سريعة شاملة) تؤسس لبنية تحتية عاجلة تستوعب المناشط الثقافة والفنية في مختلف مناطق المملكة: مسارح، معارض تشكيلية، استديوهات، صالات تدريب، معاهد...
ثم تأسيس أنظمة وقوانين عصرية تسند العمل الثقاف والفني، وبهذا نكون قد أسسنا لبيئة (أعمال) كفيلة بأن يظهر فيها أشكال من المبدعين والفنانين والعباقرة بصورة تصبح الثقافة جزءاً من حياة الناس يتنفسونها كالأكسجين صباح مساء.
علينا أن نتحرك - ثقافياً وفنياً - بنفس السرعة والمرونة التي يتحرك بها الإرهاب، وإلا بقينا عرضة لجيل متطرف لا يعرف من العالم إلا القتل والدمار وخراب البيوت.