رقية الهويريني
في كل عام يعود رمضان، شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، مع عدم الدعة أو التواني، بل البحث عن الرزق، بما يعني أنه شهر عبادة وعمل وادخار ديني ودنيوي، وانصراف للتأمل ومراجعة حساب عام كامل!
والناظر لما يحدث فعلياً في هذا الشهر الكريم يندهش من التناقض بين مفهومه وبين الواقع الحالي، حيث تنشط الأسواق التجارية في عرض المنتجات الغذائية والاستهلاكية، حتى تحوّل لشهر الأكل والهدر والسهر، والنوم طيلة النهار!
والمعنى الحسي للصوم هو الإحساس الفعلي بالجوع، بما يعنيه المفهوم الدقيق، أي لابد أن تجوع وتتضوّر وتصبر، احتساباً وطاعة لله، واستشعاراً بما يعانيه الجوعى في العالم، حيث يبرز دورك في تخفيف المعاناة بعد شعورك الحقيقي بها، وكأن شهر رمضان يقول لك: اترك وجبتك المفضلة في هذا الشهر للفقير، تصدق بها ولو لشهر واحد بشرط أن تشعر بمعاناتهم بالضبط وليس لتسكت ضميرك أو ترضي غرورك بالعطاء والمنح! ولذلك جاء الحديث بالتأكيد على الإيمان العميق والاحتساب الدقيق (أي الاستشعار) بقوله عليه الصلاة والسلام «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم مِن ذنبه».
إنّ المعنى السامي لشهر رمضان أكبر من الطاعة والامتثال فحسب؛ لأنّ الله لن يستفيد من تجويعنا أو تعطيشنا، وإنما لقدح شعورنا وتلميعه وتمحيصه، ويأتي الإكبار الرباني لتلك المعاناة حتى في لحظات الحرج من رائحة الفم من عدم الأكل أو الشرب بقوله صلى الله عليه وسلم «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْك» وكأنّ الله يدلل المسلم الصائم ويشرِّفه ويرفعه بالصوم طاعة لربه، مع تقديره لأحاسيسه وحرجه من رائحة فمه غير المستحبة عند اختلاطه بالناس بالعمل وساعة الكدح، بما يشير لضرورة العمل وممارسة الحياة اليومية، وليس النوم أو التمتع بالإجازة السنوية بحجة الصيام كما هو حاصل ويحدث سنوياً مع عدم الإنكار لذلك، بل والتشجيع لهذا السلوك المتنافي مع المعنى السامي للصوم!!
وإن كانت هذه الصور من المعاني الاجتماعية للصوم؛ فإنّ هناك معنى نفسياً أيضاً، حيث يُربِّي في الإنسان الصائم روح الفضائل كالأمانة والصبر والإخلاص في العمل، ومراقبة الله في السر والعلن، ويتجاوز المعنى النفسي ليصل للجسد، حيث هو رياضة بدنية تُعطي الجسم صحة وقوة، فيقضي على كثير من الأمراض التي تنشأ من الإفراط في الطعام والشَّراب!
ترى ماذا يحدث حالياً في رمضان؟!!