جاسر عبدالعزيز الجاسر
أولى الخطوات التي أوصى بها الباحثون وخبراء المخابرات الأمريكية والغربية لمنع بناء قوة إسلامية في العالم الإسلامي، وتفتيت ما هو موجود من أسس لهذه القوة.
لم يذهب هؤلاء الباحثون والخبراء بعيداً في استنباط الوسائل والخطط لتفتت القوة الإسلامية، فاستنسخوا من تاريخهم وبالذات تاريخ أوروبا في القرون الوسطى، التي حفلت بحروب الفتن المذهبية وبالذات بين الكاثوليك والبروتستانت والفرق المذهبية المسيحية الأخرى، حيث انشغلت الكثير من المجتمعات والشعوب في حروب مذهبية خلفت ملايين القتلى وقسمت أوروبا إلى دول بحسب الانتماءات المذهبية، وإن بقيت الدول الكاثوليكية هي الأكثر إلا أن البروتستانت ظلوا يحكمون ألمانيا والأرذدوكس روسيا وصربيا ويوغسلافيا، فيما شكل البريطانيون كنيستهم الخاصة.
إذن لماذا لا تطبق التجارب المذهبية نفسها في الدول الإسلامية، وهو ما بدأ الإعداد له ومنذ أكثر من خمسة عقود، ووجدوا الأدوات والأشخاص بل وحتى الجماعات التي تنفذ هذا المخطط بوعي منهم أو استجابة لنعراتهم الطائفية.
ولأن أكثرية المسلمين يتبعون مذهب أهل السنة، فقد تركزت الخطة على استهداف هذه الأكثرية، وتتبع التطورات الفكرية، ودراسة اجتهادات العلماء والمفكرين المسلمين من أتباع هذا المذهب، والهدف البحث عن نقاط لاختراق الفكر المذهبي لأهل السنة، فيما اتجهت مجموعة أخرى من الباحثين لدراسة فكر أتباع المذاهب الأخرى، ليجدوا في نشوء وظهور فكر ونهج وإن ارتدى عباءة المذهب الآخر إلى أن جذور هذا الفكر تنبع وتتبع أسساً عرقية، وبالذات الفارسية، حيث تجمع بين التعصب العنصري والكره للأمة التي نشر الإسلام بجهود أبنائها وهم العرب. وهنا وجد هؤلاء الباحثون عن نقطة الانطلاق لتفتيت القوة الإسلامية عبر نشر الفتنة المذهبية وفق التجربة الأوروبية، بأن توظف عناصر الخلاف والتباعد العنصري والعرقي عن طريق توظيف الخلافات المذهبية. ولأن الطرف الآخر يُعَدُّ إقلية ولا يشكل سوى أقل من عشرة بالمائة من المسلمين، فقد جرى التركيز على دعمهم وعقد تحالفاتهم معه حتى وإن لم تُعلن.
وهكذا، وبالإضافة إلى مساعدات القيادات المذهبية للوصول إلى السلطة لتكون الموجهة والقائدة للجماعات التي يُراد منها نشر دعوات المواجهة بين المذاهب الإسلامية، قد بدأت أولى تلك الخطوات بمساعدات ملالي إيران في الوصول إلى السلطة. وقد ظهرت معلومات ودراسات عن المساعدات التي قامت بها المخابرات الأمريكية والغربية في دعم تحرك خميني ورعايته في باريس حتى تسلمه السلطة في طهران بعد فرار شاه إيران وتخلي أمريكا عن حليفها، بل وعدم استقباله بعد طرده من بلاده.
من يومها بدأ دور غلاة الطائفيين لتنفيذ مخططات الفتنة وتفتيت القوة الإسلامية، وقد استنبط هؤلاء الطائفيون نهج الصفويين الذين شوهوا المذهب الاثني عشري، وأخرجوه من سياقه الديني لخدمة التوجهات العنصرية. وهذا التوظيف للنهج الصفوي لم يأت من فراغ، بل استنباط لتاريخ الجماعات المتطرفة، فالتطرف الفكري والمذهبي موجود عند الشيعة مثلما ما هو موجود عند السنة، وما ينطوي عليه التراث الشيعي والانعكاسات السلوكية لهذا التطرف مشهودة في الصور التي استعادها ملالي إيران ونشرها في الدول المجاورة وبالذات الدول العربية وإفغانستان وباكستان وإذربيجان وحتى تركيا. ومع أن هذا العمل يتواصل وبإصرار وبعمل مستمر من قِبَل هؤلاء الغلاة، إلا أن التركيز على الأفكار النشطة التي تصدر عن الجهات التي تحسب على أهل السنة، الأمر الذي يوحي بأن الإرهاب محصور على أهل السنة، ويزداد هذا الوهم كون أهل السنة الأكثر عدداً والأكثر انتشاراً في الدول الإسلامية. ومع أن الجماعات المتطرفة والمليشيات المسلحة التي تنسب إلى أهل السنة تفتقر إلى جهات دولية داعمة، إذ إن جميع المنظمات الإرهابية المنسوبة لأهل السنة كالقاعدة، وداعش وما يتفرع منهما غير مرتبطة بالدول الإسلامية، بل إن هذه المنظمات معادية وتستهدف تلك الدول، وهو عكس ما هي عليه المنظمات الإرهابية المنسوبة لأهل الشيعة والتي تحظى بالدعم المادي والسياسي من قبل نظام ملالي إيران والأنظمة التي تسيطر عليها، كالعراق وسوريا وحتى لبنان.