سلمان بن محمد العُمري
المبادرات الخيرية المباركة كثيرة ومتعددة، لا تقف عند حدود الزمان والمكان، وكلما كثر نفعها وارتفع وعم وزاد زادت معه البركة والخير. ولربما تكون هذه المبادرة غير مسبوقة فيضاعف الله أجر صاحبها حينما يسن سنة حسنة، ويكون لها نصيب وأجر لمن اقتدى بعمله. وهذا من فضل الله - عز وجل - والله ذو الفضل العظيم.
وكلما قرأت أو سمعت عن مبادرة من المبادرات الخيرية والأعمال التطوعية المباركة حمدت الله - عز وجل -، ودعوت لصاحبها بخير، وسألت الله له القبول والبركة.
وأزيد على ذلك بالتحدُّث فيها مع من أحب؛ لعل مبادراً آخر يأخذ بها؛ فأنال معه الأجر؛ والدال على الخير كفاعله.
ومما ورد إلي من أخبار طيبة عن مبادرات جيدة ومثمرة ما قامت به جماعة في مسجد ابن عثيمين بينبع الصناعية قبل أيام عدة بعمل حلقة خاصة لتعليم الفاتحة وقصار السور للسائقين (سائقي الأسر)، حضرها نحو 30 سائقاً من جنسيات عدة، واشترك في تعليمهم عدد من أفراد جماعة المسجد. واختُتم البرنامج بوجبة غداء لهم. وقد تم اكتشاف أن بعض السائقين لا يعرف الفاتحة، وإن عرفها لا يتقن قولها!! أما البعض الآخر فلا يعرف ما يقول بالركوع والسجود وأثناء الجلوس للتحيات. والبرنامج كان سهلاً جداً، لم يأخذ إلا ساعة تقريباً.
لا شك أن العمل الجليل المبارك متميز، ويستحق التشجيع لأهله بالدعاء والمغفرة، وبحاجة للتعميم والنشر والانتشار والتطبيق المماثل.. وجميل أن يقوم عدد من المتطوعين في المساجد الأخرى في كل حي بتبني مثل هذا البرنامج كل ظهر سبت؛ حتى لا يكون الأمر مكلفاً على المتطوعين وعلى الكفلاء.
هذا العمل المبارك أنموذج لمبادرات خيرية مباركة يسيرة غير مكلفة، وفيها فوائد عظيمة؛ لأنها تربط بين العباد وربهم على بصيرة وعلم، وفي أجلّ الأعمال، وهي الصلاة. ومثل ذلك ما تقوم به بعض الفاضلات من النساء في الاجتماعات الأسرية من جمع للخادمات، وتعليمهن أركان الصلاة وواجباتها وشروطها وأحكام الطهارة، وتعليمهن الفاتحة وقصار السور، وتعقب ذلك بالتحفيز بالمكافآت للمجيدات. وبفضل الله عمل بهذا المشروع نساء أخريات، فحققت - بإذن الله - أجوراً مضاعفة.
وأذكر أن رجلاً منذ ما يزيد على عشرين عاماً لا يستقدم سائقاً إلا من حفظة كتاب الله الكريم، ويعطيه أجراً إضافياً على مرتبه مقابل أن يسهم في التدريس في حلقة المسجد.
وأعرف رجلاً مسناً يتولى نظافة مسجد الحي في ضحى كل يوم جمعة، ويشاركه أبناؤه من المتزوجين قبل الصغار، ويتنافسون على هذا العمل الخيري، ولا يعلم بعملهم هذا إلا الإمام والمؤذن.
هذه نماذج يسيرة لأعمال ومبادرات خيرية فقط في بيوت الله، وغير ذلك من أوجه الخير كثيرة. ولعلي أذكر قصة أخرى لرجل يقوم شهرياً بشراء (مواد غذائية) لما يقرب من خمسين بيتاً من عنده، ومن عند بعض المحسنين، ويقول أحد أولاده «لم نعلم عن عمل الوالد الذي يقوم به منذ سنوات سوى متأخراً حينما توقف والدي عن قيادة السيارة فلزمه أحد إخوتي».
ونحن مع مطلع شهر الخير، شهر رمضان المبارك، فليفكر كلٌّ منا في أي عمل فردي أو جماعي، يسهم به في خدمة دينه ومجتمعه، وفي خدمة البلاد والعباد، يقضي الحوائج، ويفرج الكرب، ويزيل العناء، ويدفع البلاء بلسانه أو بنانه أو بماله.. وفي هذه البلاد المباركة مناحي الخير متعددة، وأبوابها مفتوحة، ويمكن للمرء أن يسهم بما يستطيع. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
ومساعدة الآخرين حثّ عليها ديننا، وهي من أعظم أبواب الخير؛ لما لها من مكانة عالية في الإسلام؛ لأنها تعد نوعاً من العبادة التي يرجو بها المسلم الثواب من ربه، شريطة أن تكون خالصة لله، يرجو بها المسلم رضا ربه.
قال تعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195)، ويقول جل من قائل: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّه قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً. ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل».
والنفع هنا لا يقتصر على النفع المادي فقط، بل يشمل النفع بالرأي، والعلم، والنصيحة، والمشورة، والجاه، والسلطان، وغير ذلك.
ومن هنا على الإنسان الإقبال على الخير، والمسارعة في فعل الخيرات - قدر الاستطاعة - ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وتتعجّب من إحجام الناس عن المبادأة والمبادرة في أعمال الخير على الرغم من قدرتهم واستطاعتهم عمله، ولكنهم يحجمون حتى وإن كان في أعمال لا تتطلب إلا الكلام الطيّب ونشر الخير والفضيلة وإصلاح ذات البين.
أما الذين يسيئون ويؤذون خلق الله فهؤلاء صنف آخر، نسأل الله لهم الهداية والصلاح، أو هلاكهم لكفّ أذاهم عن الناس. وحسبي الله ونعم الوكيل على الظلمة والمتجبرين.
والله المستعان.