د.خالد بن صالح المنيف
في يوم اشتدت حرارته وعظم كربه وزاد تعبه، كان يعمل مجموعة من الرجال على حمل حجارة ينوء بحملها العصبة لعمل أساسات لسكة حديد في إحدى الصحارى الأمريكية القاحلة، وخلال هذا العمل الشاق الذي يقوم به هولاء الرجال، كان يقترب منهم وعلى سكة قطار مجاورة لموقعهم،قطار بالغ الفخامة بكراسي وثيرة وتكييف مريح فلما حاذى هذا القطار الرجال الذي يحملون الصخر توقف ثم فتحت النافذة الأخيرة وانبعث منه صوت ودود مسموع، كان صوت (جيم مورفي) رئيس السكك الحديدية في الولايات المتحدة.. يقول: هل أنت (ديف؟) يخاطب رئيس المجموعة! فرد نعم أنا هو! وتبادلا التحية رئيسهم: بالغة وشوق كبير، ثم تمت دعوة السيد (ديف) لعربة السيد (مورفي) الفارهة وجلسا لفترة طويلة يتبادلان الأحاديث الودية والمجاملات اللطيفة والنكت الظريفة وبعدها تصافحا بحرارة ثم ودعّا بعضهما بحميمية جلية! وما أن تحرك قطار السيد (مورفي) حتى هرع رجال السيد (ديف) إليه وأحاطوا به وقد ملئوا دهشة وكست ملامحهم علامات تعجب ضخمة !وبادروا بسؤال رئيسهم: عن كيف له التعرف على رئيس السكك الحديدية الرجل في الشركة؟! فأجاب قائلا: قبل ثلاث وعشرين سنة تعينت أنا والسيد (مورفي) في وقت واحد وفي وظيفة واحدة! وحينها مازحه أحد رجاله قائلا: لماذا بقيت منذ ذلك الحين تحت أشعة الشمس الحارقة بينما صاحبك تطور حتى أصبح الرجل الأول ! فرد عليه برد يحكي قصة الكثير: أنا كنت أعمل لأجل دولارين وهو كان يعمل ليكون رئيسا!
* قصة معبرة أهديها لشبابنا وأقول لهم: من يفهم لعبة الحياة ينجح فيها ومن يدرك نواميس الكون ويتعامل معها بفهم يتفوق ويتميز، من أعظم نعم الله عليكم هي نعمة الاختيار؛ فأنت تختار الدعة والسكون واللهو واللعب والنوم والكسل وعاقبته يا ولدي حياة ملؤها مشاق و ألم ونتاجها حياة لن ترتقي جزما إلا ما تتمنى أن تصل إليه! والنفس يا بطل تهوى الدعة والسكون وتستثقل الغايات الكبرى فهي تبذل جهدها لثنيك وإضعاف عزيمتك هنا اجلدها بسوط الهمة وغن لها انشودة النجاح! واستحضر دائما أنه لم ينجح الناجحون إلا بعد أن آمنوا بمبدأ (يمكنني تحقيق هذا).
وللأسف فالسواد الأعظم من البشر يتعامل بسلبية عجيبة تجاه الحياة عموما فأمنياتهم ضخمة وآمالهم حسان ولكن لا جهد يبذل ولا ضريبة نجاح تدفع وهم كمن ينتظر حافلة في شارع لا تمر به أي حافلة! والنتيجة بقاء في مؤخرة الركب ومعه الحنق الشديد على الناجحين!
وكتب خبير الإدارة العظيم (بيتر دراكر) ذات يوم يقول: إن الطريقة المثلى للتنبأ بالمستقبل هي أن تصنعه!
ما أروع أن يبدا الإنسان مبكرا في حياته وقد بورك في البكور وما أجمل الانطلاقة دون أحمال وأعباء! وأنت يا طالب الثانوي ويا من بدأت قريبا دراستك الجامعة لا هم أسرة ولا عبء مشاغل يومية فأنت فقط مسؤول عن نفسك فما هو عذرك؟ اعل راسك وعظّم أهدافك ولا ترض في هذه الحياة بالفتات ولا تقبل يا عظيم أن ترعى مع الهمل أصحاب الهمم الدنيئة والغايات البسيطة! كن طموحا ذا نظرة بعيدة فالناجح يطمح أولا ثم ينجح !
ومما علمتنا الحياة أن التعب ينسى والألم يزول والجهد يتلاشى والسهر يستحيل ذكرى! ولكن ثمرة هذا التعب ونتاج الألم يبقى مدى العمر وأقسم لك أنك ستغفر لدربك الطويل مشقته وستنسى وخز الشوك فيه ومضايقة الرياح الشديدة لك أثناء سيرك وتأكد أنك عندما تصل لنهايته وعندما تعانق تلك الجائزة السنية وتراقص حينها فرحا سيدوم ما بقيت، وأما لحظات الأنس وأوقات المتعة العابرة وساعات اللهو المنقضية فمصيرها زوال دائم ولكن ما تورثها من حسرات ستبقى ما بقيت!
وتذكر أن النجاح قرار يتلوها انضباط والتزام, قرر قرارا صائبا الان واسع له وابذل من أجله الجهد الكافي وبعدها لن تخيب آمالك على الأرجح ولن يهبط نجمك بإذن الله فلديك والله من الطاقة والقدرات الكامنة ما تستطيع معها إزالة جبل وتحرير بلد!
ومضة قلم: الهمم العالية تدوخ أصحابها ولكنها لا تكلف الأجساد ما لا تطيق!