محمد عبد الرزاق القشعمي
عند بداية عملي بمكتبة الملك فهد الوطنية، وتكليفي بمقابلة بعض الشخصيات المهمة والفاعلة والبارزة في المجالات الثقافية والاجتماعية والتسجيل معهم ضمن برنامج (التاريخ الشفوي للمملكة)، كان من أول من قابلت رجل الأعمال والمثقف والمؤلف البارع محمد علي مغربي - رحمه الله - بمنزله بجدة في 29/12/1415هـ، وكان يتحدث عن أهم المحطات في حياته وبداية تعلقه بالثقافة، وذكر فيما ذكر عن النادي الأدبي الثقافي الذي أقامه بعض أدباء جدة في مطلع الخمسينيات الهجرية، وأسهب في الحديث كنواة لحدث يقام لأول مرة.
وفي لقاء آخر مع الاستاذ إبراهيم الحسون - رحمه الله - تم بمنزله بجدة في 20/1/1421هـ تطرق في حديثه إلى النادي وبرامجه، مما شجعني على تتبع أخبار النادي والبحث عن معلومات وافية عنه ليطلع هذا الجيل ومن بعده على المحاولات الأولى أو البذرة الأولى لمثل هذا النشاط، ولم أجد أكثر مما كتبه محمد علي مغربي في كتابه (أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة) قال وهو يتحدث عن الحاج عبد الله علي رضا، انه في أول الخمسينيات الهجرية حينما قامت فتنة ابن رفادة.. «.. في ذلك الوقت بالذات كانت مجموعة من شباب جدة قاموا بتأسيس أول ناد أدبي في جدة، وكانت الاجتماعات تتم في هذا النادي حتى قبل الحصول على الترخيص الرسمي بافتتاحه من الدولة وكانت أغراض النادي ثقافية واجتماعية، وكانت تلقى فيه المحاضرات والقصائد، وكان هذا النادي يعقد بمنزل المرحوم عبد العزيز جميل ثم بمنزل المرحوم صالح إسلام، وكان من أعضاء النادي الاستاذ محمد حسن عواد والأستاذ حمزة شحاته والمرحوم أحمد لاري والشيخ حسن أبو الحمايل والأستاذ يونس سلامة وغيرهم، وكان كاتب هذه السطور أصغر أعضاء النادي على الإطلاق..».
وقال: إن الحكومة سمعت عن النادي أو نقل لها عن أخباره بصورة مبالغ فيها خصوصاً وهي متزامنة مع أحداث (فتنة ابن رفادة) - الذي وصل إلى الوجه عن طريق السويس مع مجموعة من المسلحين، والتي قضى عليها الملك عبد العزيز في مهدها - ، وقد طلب الملك عبد العزيز عقد اجتماع عام في مبنى وزارة المالية بمكة المكرمة وجرى تبليغ كثير من الناس بواسطة الشرطة بضرورة حضور هذا الاجتماع، وتجمع عدد من أهالي جدة للذهاب إلى الاجتماع، وكان الحاج عبد الله علي رضا قائم مقام جدة يتقدمهم وقد طلب من أعضاء النادي أن يذهبوا مع مجموعة التجار وأساتذة المدارس وأرباب الحرف المختلفة، واتصلوا بمحمد علي مغربي وأكدوا عليه الحضور، وقال: «.. وحينما وصلنا إلى مكة تناولنا طعام الغداء في منزل الحاج عبد الله وقبل الذهاب إلى الاجتماع استدعاني وقال لي: اسمع ما أقوله لك إذا انتهى جلالة الملك من خطابه تحضر إلي لأقدمك إليه، قلت لماذا؟ قال: هذا ما ستعرفه بعد، ولكن احرص على أن تكون قريباً مني.. وبالفعل ذهبت إليه بعد انتهاء خطاب الملك عبد العزيز رحمه الله فأخذني بيدي وكنت صغير السن صغير الحجم، ولعلي كنت أصغر من حضر الاجتماع، وقال لجلالة الملك عبد العزيز بالحرف الواحد هذا هو محمد علي مغربي يا جلالة الملك - ولقد كان جلالته في قامته الفارعة وجسمه المليء وكنت أقف أمامه في حجمي الضئيل كطفل صغير رحمه الله..».
وقال: إنه علم بعدها أن سبب تقديمه للملك من قبل الحاج عبد الله علي رضا أنه أراد إقناعه بأن ما نما إلى علمه عن النادي الأدبي أو عن شباب جدة لا صحة له «.. وأراد أن يراني جلالة الملك عبد العزيز شخصياً ليرى أن من كان في سني الباكر لا يمكن أن يصدر عنه ما يسئ إلى الدولة، وأن ما أخبر به جلالته مبالغ فيه».
قال المغربي هذا الكلام وهو يتحدث عن الحاج عبد الله علي رضا ليدلك على شجاعته وحكمته لتعمده دعوة مختلف الفئات لحضور الاجتماع حتى لا يعرف المقصودين بالدعوة - وهم أعضاء النادي - فيرتاع أهلوهم، وقال: إن هذا التصرف يدل على الشجاعة لأنه وهو يمثل الحكومة لم يقف موقفاً سلبياً إزاء المدينة التي يمثل الدولة فيها وإنما حاول جهده الدفاع عن أهلها بحق شارحاً لوليِّ الأمر ما يعرفه في أمانة وشجاعة.
أما أول ناد أدبي أقيم في نجد - كما أعلم - سمعته من أكثر من مصدر فقد كان في مدينة عنيزة بالقصيم، إِذْ قام مجموعة من الشباب المتحمس وفي مقدمتهم الاستاذ عبد الله بن إبراهيم الجلهم - رحمه الله - ومعالي الاستاذ عبد الله العلي النعيم عندما كانا مدرسين الأول في المدرسة السعودية والثاني في المدرسة العزيزية، إِذْ بدءا بعد عشرين عاماً مما بدأه زملاؤهم بجدة، ففي عام 1373هـ تبنوا إقامة حفلات ثقافية بالتناوب بين المدرستين في ليالي الجمع يلقى فيها القصائد والخطب والمساجلات الشعرية ومنها زوايا ثابتة باسم: كلمة النادي، ومن بريد النادي وغيرها.