د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
رغم أن النمو في الصين لا يزال مذهلاً إلا أن الاختلالات في التوازن الاقتصادي هي هائلة أيضاً، فالصين دعمت النمو من خلال استثمار نصف ناتجها المحلي الإجمالي بخلاف البلدان الأخرى التي لا تستطيع استثمار أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي فقط، كما يُمثّل الاختلال الآخر في استهلاك الأسر الصينية ثلث الناتج المحلي الإجمالي مقارنة باستهلاك الدول الأخرى نحو ثلثين في اقتصاد طبيعي.
فإعادة موازنة الاقتصاد الصيني مرهون بالانتقال من الاستثمار إلى الاستهلاك، مما يعني التوجه نحو تنمية قطاع الخدمات وبناء شبكة اجتماعية وتعزيز حقوق الملكية كما تحتاج الصين إلى التحول أيضاً من التصنيع إلى الخدمات أي أن الصين بحاجة إلى تعميق رأس المال وتعميق قطاع الخدمات حتى وإن انخفض معدل النمو الذي انخفض بالفعل من 10 في المائة إلى 7,5 في المائة.
لذلك، فإن قادة الصين وعلى رأسهم تشي الذي لا تزال أمامه تسع سنوات على رأس اقتصاد يمكن أن يصبح أكبر اقتصاد في العالم عندما يترك منصبه عام 2020 وقد بدأ بإحكام قبضته الفكرية على المشكلات الشديدة التي تواجه الصين وجعله اقتصاداً منحرفاً مثقلاً بالاستثمار والذي بادر على شن حرب على الفساد أوقعت الرعب في أوصال أركان الحزب الذي يقوده حتى وصف الرئيس الجديد تشي بأنه الرئيس الإمبراطوري المدافع عن الأوتوقراطية الجديدة من أجل الدفع بعملية التحديث الاقتصادي الضروري للصين إلى الأمام.
والفكرة المشتركة لدى تشي بأن يجعل القمم العالية في الاقتصاد ستترك في أيدي الدولة إلا أن معظم القطاع العام سيخضع لقدر أكبر من الصرامة السوقية حتى لا يجعل الشركات المملوكة تستمر في الاعتماد على التمويل والمدخلات المدعومة من الدولة مثل الأرض والكهرباء، وإنما تصبح بحسب الأسعار السائدة من أجل جمع مزيد من الأموال لبناء شبكة سلامة اجتماعية أي أن تشي يريد فطام الاقتصاد عن الاستثمار وتحويله إلى الطلب الاستهلاكي.
وبهذا فإن الأنموذج الاقتصادي في الصين سيتغير على نحو لا يستهان به ويجلب معه منافع اقتصادية عديدة على المدى الطويل رغم أنه سيسبب في البداية الألم للذين أدمنوا الدعم الحكومي، ولكن من منافع هذا النموذج سيتيح الفرصة للكفاءات، وإعطاؤها المكانة اللائقة واستبعاد الكفاءات المتدنية التي كانت تهيمن على نشاطات مهمة في الصين في الفترة الماضية، وسيتعرض الاقتصاد الصيني في الفترة الانتقالية إلى فقدان الزخم نتيجة استخدام مزيد من المدخلات مقابل العوائد المتناقصة، وهي محاولة لوضع الصين على مسار جديد من المنافسة الحقيقية من أجل إنقاذ الشركات الصغيرة التي تعاني زيادة مستمرة في الرفع المالي الذي عمل على تآكل قوة ميزانية الشركات كما يقول صندوق النقد الدولي، وكانت ديون الشركات تمثّل 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008 ارتفع إلى 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012، وتُسمى هذه الديون في الصين بأوراق القبول التي تصدرها البنوك، وبدأت البنوك تطالب بأسعار فائدة مرتفعة تصل إلى 8 في المائة، وهي تمثل نحو 30 في المائة فوق المستوى القياسي.