عمر إبراهيم الرشيد
استمعت قبل أيام إلى لقاء قديم أجرته إذاعة الكويت مع المخرج الأمريكي العربي مصطفى العقاد رحمه الله. تحدث فيه بطريقة سينمائية جذابة، واصفاً الأحداث وكأنك تشاهدها ولا عجب فهو مخرج سينمائي وهذه صنعته. سرد في ذلك اللقاء قصة إنتاج وإخراج الفيلم العالمي الكبير (الرسالة)، وكيف أن رابطة العالم الإسلامي عارضت فكرة الفيلم لعدة أسباب ليس هاهنا مقام شرحها. إنما ما شدني هو قوله إن دافعه
لإنتاج هذا الفيلم هو حاجة أبنائه بعدما كبروا في أمريكا إلى تقديم قصة بزوغ شمس الإسلام والسيرة النبوية بطريقة عصرية، بالنسبة لفترة السبعينات الميلادية بالطبع، فلمعت في ذهنه فكرة إنتاج فيلم بمواصفات عالمية عن الإسلام وبداية ظهور الدعوة المحمدية. ذكر العقاد كيف أن دولتي الكويت والمغرب انسحبتا من إكمال تمويل الفيلم بعد اعتراض الرابطة، مما اضطره للانتقال إلى ليبيا ونيل الدعم المادي واللوجستي لإكمال الفيلم من كل نواحيه وكان ذلك في السبعينات. لقد ترك هذا العمل الضخم أثراً عظيماً، فلو أسلم بسببه إنسان واحد لكفاه ذلك دلالة على التأثير، فما بالك وقد أدى إلى إسلام أعداد كبيرة بعدما شاهدوا الفيلم، عدا عن تأثيره المتواصل إلى يومنا هذا على أجيال المسلمين أنفسهم وخصوصاً النشء والشباب.
يقول مصطفى العقاد إنه لجأ إلى الحكومات والأفراد العرب لدعم إنتاج فيلم الرسالة قناعة منه أن هوليوود لن تقدم على إنتاج فيلم عن الإسلام وقصة ظهوره وسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وذكر كيف أنه ظل طوال خمس سنوات يعمل على تقديم حبكة الفيلم ( السيناريو) إلى الجهات المستهدفة حتى يوافقوا على الدعم، ان من الناحية الشرعية أو المادية واللوجستية. وحقيقة إنك تعجب بهكذا إصرار وعزيمة من هذا المخرج الفذ ليحقق حلمه الذي مازال يقدم عبر القنوات العربية والعالمية وكأنه أنتج حديثاً، وهذا شأن أي عمل يتسم بأصالة الهدف وبعد النظر، فما بالك والعمل يحكي قصة نبي الهدى وظهور الإسلام برغم صعوبة وخطورة إظهار كثير من الشخصيات وعلى رأسها بالطبع شخصية محمد عليه الصلاة والسلام.
أما فيلم عمر المختار، فلا يخفى لمن يقارن وهذا رأي شخصي، النضج الفني للمخرج العالمي مصطفى العقاد، فهذا الفيلم له إسقاطات عدة بما لقصة هذا المناضل وبلده ليبيا المحتلة من قبل إيطاليا في ذلك الوقت، وعلاقة هذه القصة بالأراضي العربية المحتلة حاليا من قبل الصهاينة ونضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، فكيف ووضع كثير من الدول العربية والإسلامية حاليا وهذا ما أعطى هذا العمل تواصل الزخم والتأثير منذ إنتاجه في السبعينات الميلادية وحتى يومنا هذا. الذي قد لا يعرفه كثير من الناس أن العقاد كان يركض بين عواصم عربية عدة طوال سنين ليحصل على منتج لفيلم عن قصة الأندلس، تلك البقعة التي انتشلها العرب من مستنقع التخلف والانحطاط إلى جنان الازدهار والعلم والتمدن، كان يركض دون جدوى، إلى أن قضى رحمه الله في الاعتداء الإرهابي مع غيره في فندق في العاصمة الأردنية عمان فمات معه مشروع عمل كان سيلهم الأجيال لو قدر الله له ذلك.
قبل فترة وجيزة تم إنتاج فيلم النبي عن كتاب جبران خليل جبران وهو قصة ذات أبعاد إنسانية تتناول دور المثقف في محيطه وما يمكن ان يلقاه من عقبات وقبول أو رفض اجتماعي. الفيلم عمل بطريقة الرسوم المتحركة وشاركت فيه بصوتها طبعا الممثلة المكسيكية من أصل لبناني سلمى حايك مع ممثلين أجانب وعرب، وهو فنياً إنتاج غربي لكنه يقدم لبنان بثقافته ومجتمعه الفسيفسائي من خلال كاتبها المهاجر إلى أمريكا جبران خليل جبران. شأن مئات الأفلام الغربية والشرقية التي قدمت أعمالاً أدبية مكتوبة جسدت أشخاصها وأحداثها على شاشات السينما العالمية، فكرمت أدباءها وكتّابها من جهة، وقدمت أفلاماً سينمائية إنسانية راقية، تعلي من شأن القيم الإنسانية وترفع الذائقة الفنية والأدبية لدى الجمهور وتقدم قصصاً ألهمت العالم حين صدرت عبر الكتب ومازالت تلهم. فما بالك لو عقدت المؤسسات العربية الإعلامية والثقافية وحتى كبريات الشركات والكيانات الاقتصادية صفقات مع مخرجين وممثلين من هوليوود أو خارجها، لتقديم أعمال تعيد تقديم صورتنا المشوهة لدى بعض العالم، مستفيدين من تاريخنا وتراثنا أو بعض أعمال أدبائنا وكتّابنا الأوائل والمتأخرين. هذا أمر، أما الأمر الآخر، فهذه النماذج التي ذكرت، ألا تعني أنّ السينما إنما هي أداة وليست شراً في ذاتها؟!.