عبدالعزيز السماري
إنه الاقتصاد، يا غبي، عبارة شهيره في السياسة الأمريكية، و استخدمت على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية الناجحة لبيل كلينتون ضد جورج بوش الأب عام 1992، وجاءت شهرتها بسبب إرتفاع نسب البطالة التي كانت تعيشها آنذاك الولايات المتحدة، وبعد استطلاع لمعهد غالوب شارك فيه ملايين الأميركيين، وقال أكثر من 90 في المئة منهم إن الاقتصاد يحظى بالأولوية القصوى بالنسبة إليهم في الانتخابات الأمريكية، ويتوقع ان يكون الاقتصاد محورا أساسيا في الانتخابات القادمة، فقد لامست الأزمة حياة الأميركيين بعمق، ولهذا قرروا التركيز على الاقتصاد عوضاً عن السياسة الخارجية مثلا أو مكافحة الإرهاب.
تمر بلادنا في أزمات يأتي على رأس قائمتها البطالة والإرهاب، ويحاول البعض اختزال الحلول في القضية الأمنية فقط، والتي لا شك لها أهميتها القصوى، لكنها بالتأكيد لا تكفي، فالبطالة والإرهاب طرفي معادلة في الأمن الوطني، وتغذي البطالة ثقافة التمرد والفوضى والإحباط، ومن لا يدرك أن الاقتصاد الذي يقوم على إتاحة فرص العمل وقصص النجاح، هو الحل الامثل والأنجح، سيعاني كثيرا حتى يدرك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، ولكن قد يندم إذا وصلت البطالة إلى مرحلة اللاحل..
لفت نظري تقرير أخير لوزارة التخطيط والاقتصاد، أثار جدلاً واسعاً في مجلس الشورى، وموضوعه باختصار أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة لسببين، أن غالبية الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة ولا تتطلب مستوى تعليميا مرتفعا، مما يجعل إحلال العمالة الوافدة بعمالة وطنية واستيعاب الأيدي العاملة الوطنية ضعيفا، ولأن الغالبية في العمالة الوطنية هي عمالة ماهرة، وأغلب العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات الجامعية، والسبب الثاني أن مجالات وفرص العمل في القطاع الخاص محدودة بالنسبة للإناث.
وهو ما يعني أن زوبعة نطاقات وغيرها من الشعارات لم تنفع في إيجاد الحل لقضية البطالة، لأن الأمر ببساطة يعود إلى ضعف القطاع الخاص السعودي، وأنه قطاع غير منتج، ويعتمد في أرباحه في الغالب على قضايا التستر التجاري لعمالة أجنبية ماهرة و رخيصة، وتسيطر على سوق العمل، وما أجده غريباً ان يقول ذلك معالي وزير العمل السابق ووزير التخطيط والاقتصاد الحالي، وقد كانت قضية ضعف التوظيف للعمالة الماهرة في القطاع الخاص مثاراً للجدل في كثير من الندوات التي كان يعقدها معاليه، وكان يدافع وينكر نتائج ضعف التوظيف في القطاع الخاص، لكنه يبدو أن كرسي الوزارة الجديد أجبره على رؤية الكارثة التي تختبي خلف نطاق، وان الحل للبطالة لن يأتي من خلال القطاع الخاص.
لا أعلم إذا كانت وسيلة اللطم وضرب الصدور تنفع، بعد وصول صاحب القرار إلى هذه النتيجة بعد عقد من الزمان، ولو تنفع، لأعلنت تأسيس أول مكان للطلم وضرب الصدور، لعل وعسى أن نتدارك مستقبل الجيل الذي ضاع أو كاد أن يضيع بسبب التأخير في إدراك أن القطاع الخاص السعودي هو مجرد فقاعة صابون، ستتلاشى في أول سنة بعد انتهاء مخزون النفط أو فقدانه لقيمته الاقتصادية، وأن الحل كان لابد أن يأتي عبر عائدات النفط، وأن تقوم الحكومة بمهمة نقل المجتمع من رعوي إلى مجتمع اقتصادي منتج، لاسيما أن لها تجارب ناجحة في شركة أرامكو وسابك ومشاريع الجبيل وينبع.
إنه الاقتصاد أيها السادة، الإاقتصاد الذي يعتمد على سواعد أبناء الوطن، ويشارك بفعالية في إثراء العائد القومي، والذي في صعوده وقوته الحل الأمثل لقضايا الإرهاب والتطرف والبطالة، والطريق الأقصر لمجتمع الرفاه، وفي هبوطه ارتفاع لمؤشر البطالة ولخيار التطرف والإرهاب، وإذا لم ندرك ذلك قبل فوات الأوان سنعاني أكثر، ولن نحتاج إلى إعادة إكتشاف الحلول، علينا فقط إعادة استنساخ تجارب ماليزيا وكوريا الجنوبية، وقد نحتاج إلى خبرات أجنبية في هذا المجال إذا فشلت القدرات الوطنية في إيجاد الحلول لإحداث النقلة من مرحلة إلى أخرى.