حسن اليمني
تحسب التعددية التنوعية في المجتمع من عوامل النجاح والتطور مع حضور الأغلبية المتجانسة, نشاهد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية ونيوزلندا وكندا بشكل واضح وهي تحقق نجاح متقدم في ترقية المجتمع الشيء الذي نرى عكسه تماماً في مجتمعاتنا العربية.
صحيح أن التنوع التعددي في تلك الدول هو عرقي في مضمونه الحقيقي لكن التجانس والانسجام في العقيدة أو الهوية المادية، حتى وإن اختلفت الأديان والعقائد الأصلية الدينية بين أفراده جعل الولاء للوطن على الجمع المتساوي في الحقوق والواجبات مانح للحرية الانسانية في الفكر والمعتقد لأفراده لتكون أمة ذات هوية متوحدة في سقفها وإن اختلفت قواعدها، بينما نرى في أمتنا العربية أن الاختلاف أصلاً هو في الهوية الجامعة رغم التجانس القومي والعرقي واللغة والثقافة والتاريخ، صورة قد تبدو غير منطقية للوهلة الأولى، إذ إن الجوامع في الصورة الثانية هي أكثر بكثير مما هو متوافر للصورة الأولى، لكن الاختلاف الواضح الجلي هو في الهوية الجامعة.
لو تأملنا نشأة الاتحاد السوفييتي لوجدنا وحدة تحت سلطة قهرية ما ان تراخت حتى تفككت وعادت مكوناته تبحث عن هويتها الأصلية ونفس الحال يقال عن اتحاد يوغوسلافيا.
ترى هل ما يعانيه وطننا العربي اليوم هو أزمة هوية؟ وهل هذا هو سبب ظهور الثورات والانقلابات والطائفية ودمار بعض أقطارنا الاقليمية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها؟ البعض يرد ما يحدث في الوطن العربي إلى المؤامرة تارة من الغرب وتارة من إيران، لكن كيف والمجتمع الواحد يحارب بعضه بعضاً؟ في ليبيا ليبيون يحاربون ليبيين والحال في سوريا واليمن والعراق بصرف النظر عن من يدعم ويساند ويمد، هذا أمر طبيعي وإلا ماذا نقول عن تضاد الرؤى في المجتمع الواحد إلى الحد الذي اظهر مقولة (أنتم شعب ونحن شعب) في أكبر قطر عربي؟! وليس ذلك فقط بل حتى في دول الخليج العربي نلمح وجود هذا التضاد والانقسام لو لا وجود نظام قوي يحكم الجميع، لا أريد أن أمثل بأشخاص أو أفكار أو حتى بقنوات فضائية هي النقيض ونقيضه ولكن أريد أن أقول إن فينا من هو حتى على الثابت القطعي يختلف، بمعنى أن هويتنا الجامعة هي محل نقاش وجدل وهذا خطر للغاية.
البعض مقابل الغلو والتطرف يريد ان يأخذنا باتجاه التشكيك في المعتقد الثابت وكأنه يطالب بإسلام مسيحي أو يهودي، والبعض مقابل الانحراف الفكري والانحلال القيمي يريد أن يأخذنا إلى الخلافة الإسلامية وعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل وربما غالى على ذلك، بينما الزمان والعصر وأحواله وظروفه ليست كما هي قبل 1400 عام مثلما أن العقائد والثوابت الراسخة لا تتغير بتغير العصور والظروف، هذه حالة تأزم بين نقيضين لا يمكن أن يتفقا دون أن يلغي أحدهما الآخر، وليس خافياً أن الإلغاء لن يكون بالاجتماعات والمؤتمرات بل هو في الغالب بالسلاح والتدمير بكل أسف، هذا ما نشاهد صوره مثلما أسلفت في بعض أقطارنا العربية.
وإذا كانت هذه الفرقة في الأزمة قد أظهرت نتائجها اليوم هنا وهناك بالدمار والقتل بصرف النظر عن الصواب والخطأ أو الحق والباطل فإن الانخراط في ابجديات هذا التناحر كالحديث عن طائفية أو مذهبية أو قومية أو عرقية وطرح أسباب ومبررات أو بحث أو الصاق بهذا الطرف أو ذاك أو رمي التبعات على ثقافة أو مناهج أو اتجاه تعني المشاركة فيه وإن اختلفت الأساليب، فأثر الرأي أو حتى الكلمة أحياناً أشد وانكأ من الرصاص، وقد يكون ما أرغبه نوعاً من المثالية فيما لو طالبت بالكف عن الانزلاق في هذا الأتون وهو من المحال في تكوينه الخير والشر ولكن ما لم نبادر بتحديد الهوية الجامعة التي تحدد المسار للوطن أو الأمة مكتفين بالقوة والقدرة الآنية فإن نتائج الأمور من نفس طبيعتها، وهو أمر غاية في الخطورة، في الدول القوية يتاح الاختلاف في كل شيء إلا الهوية الجامعة يعد جرماً وخروجاً عن الإجماع ولا يهم كيف كان هذا الخروج بالسلاح أو الكلمة إنما المهم أنه يعد جرما في حق الولاء الجامع لأفراد المجتمع، بالمختصر المفيد (نحن في أزمة هوية).