لبنى الخميس
ها هي يد الإرهاب الغاشمة تمتد مرة أخرى لتطال إحدى أكثر بلدان الخليج تسامحاً «الكويت» الحبيبة، تلك التي تعلمنا منها عبر السنين قيم السلام والتعايش، ذلك الوطن الملون بالطوائف والمذاهب والخلفيات العرقية والثقافية.. أرض الحرية والفنون والمسرح والصحافة.. تشهد إحدى حلقات تفجير المساجد، وسط حالة تغول مدّ رجعي لم تشهد المنطقة مثله منذ عقود طويلة.
يجب أن نعترف أننا أمام مستوى جديد من الإرهاب.. ذي وجه مظلم وبشع، يتغذى على دماء المصلين الآمنين في بيوت الله في جمعة رمضان، ليبقى السؤال: أي حال وصلت له الأمة الإسلامية.. المتشرذمة حد النخاع بأبشع التفرقة والانقسام؟ وكيف ننقذ أمتنا الغارقة في ظلماتها من غياهب الإرهاب ومتسنقعات الطائفية.
الحل - برأيي - يمكن في عنصرين جوهريين: الإعلام والخطاب الديني، فعلى الرغم من أمواج السخط والاستنكار التي ترافق أي تفجير أو عمل إرهابي في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من رجال دين أو مفكرين أو مواطنين عاديين، إلا أن الكثير من هؤلاء يقع مراراً وتكراراً في فخ الطائفية والتطرف ولو بشكل عابر وغير مباشر، عبر إقصاء الآخر وتهميشه، وعدم استيعاب واحتواء رأيه، والاعتقاد الجازم والمطلق أنه يستأثر بمفاتيح الحق والحقيقة، ما جعلهم يصم آذانه عن كل رأي يخالفه، ويقف وكل الجيوش وراءه أمام كل تيار يختلف معه بالفكر والطرح. هذه الفوقية المقيتة في الخطاب الأبوي الوصائي الذي بات يتسيد المشهد، المتشدق بالحق والمستأثر بمكوناته ومكنوناته، خلق فهوة عميقة وفجوة واسعة، بين أطياف المجتمع، وغيّب الحوار والوصال الفكري المتزن المتواضع الذي يؤمن بقول الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ»، فباتت فئة واسعة من المجتمع متخبطة في ذاتها، متصارعة مع نفسها، غير قادرة على التعبير، أو التساؤل، ما سهل طرق انخراطها في جماعات تعمل بجد ودأب على صياغة رؤية فكرية وعقائدية متينة، قوامها الإقناع والحوار المتواصل المشبع بالحجج والدعائم التي تدعم فكره وأسلوب حياته، تخاطب الغرائزي والعاطفي، وتستأثر الشعارات السياسية التي تستهدف العاطفة الدينية رغم ما تكتنزه هذه الشعارات من دموية وتطرف وفعل يتقاطع مع مشروع المستقبل.
أما العنصر الأخطر فهو الإعلام، خصوصاً أن معقل الإرهاب الأشرس «داعش» يتمدد ويتوسع ويخاطب العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ دولة داعش تسخر ثلاثين ألف مقاتل، توكل لبعضهم مهام بعيدة عن ميادين القتال، وساحات المعارك، حين تسخر أدمغتهم لرسم خطط حرب قوامها الصورة المتطورة، وزرع حسابات «تويترية» وأخرى «يوتيوبية» يقودها جيش إلكتروني، ذو خبرة في العمل الإعلامي سواء المرئي أو المكتوب أو «الجديد».
فبحسب موقع «السي ان ان» يبث تنظيم داعش كل يوم 90 ألف مادة دعائية وتحريضية في مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم منتج إعلامي له قدرة هائلة على الحشد واستقطاب الموالين من مختلف البلدان والثقافات. فالعالم اليوم يواجه تنظيماً حطّم الصورة التقليدية للتنظيمات الجهادية المتطرفة، فالتنظيم يحوز لغة جديدة وصورة عالية الدقة، ويستعين بتقنيات هوليوودية، وعمل إعلامي محترف، ناطق ومترجم، إلى أكثر من سبع لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والروسية والإندونيسية، ولمناصريه حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي بهذه اللغات، عبر نشاط إلكتروني لا يتوقف على مدار الساعة.
ومع ذلك.. ما زال إعلامنا يستخدم أسلحته القديمة، وأفكاره العتيقة لمكافحة شبح التطرف، عبر خطب دينية مكررة، ولغة إعلامية تقليدية ومملة، لا تتجاوز شجب المقاطع وإدانة فاعليها، رغم أن لغة الأجيال الحالية تغيرت، التفت حولك، لن تجد سوى شباب يحمل أجهزة ذكية، بتطبيقاتها الاجتماعية والتواصلية المتعددة، التي باتت جزءاً لا يتجزأ من ممتلكاتهم الشخصية وعاداتهم اليومية التي تعبر عن سمات هذا الزمن بمختلف تناقضاته، ما شكل نقطة عبور ذات حدين إما لنور المعرفة، وإما لظلمات التطرف.
هذا الإعلام لن ينجح لأنه بات مملاً ومكرراً، فالحرب العسكرية ضد التطرف قد تؤخر تقدم جيوشه، وتستعيد بعض الأراضي من قبضته، إنما الحرب الكبرى هي حرب الأفكار والإيديولوجيات، والمعركة المصيرية ليس بقتل العدو بل بإسقاط مبدئه.
حربنا مع الإرهاب طويلة ومعقدة، وإذا لم نغير الخطاب الديني الإقصائي، ولم نفعل دور الإعلام لمستوى خطورة الصراع، ستمتد حلقات التفجير لتطال جميع دول الخليج العربي وتجره لويلات الصراع.
أخيراً وأمام هذا الواقع لا نملك إلا أن نقول.. اللهم أنقذ الإسلام من أيدي المسلمين..
اللهم أنقذ الإسلام من أيدي المسلمين.