محمد بن فهد العمران
بعد التركة الثقيلة التي ورثتها هيئة السياحة والآثار من وزارة التجارة والصناعة والمتعلقة بالإشراف على قطاع الإيواء السياحي غير المنظم في المملكة منذ عقود من الزمن وإعادة تنظيمه جذرياً، كان من الطبيعي أن تقوم الهيئة الآن بتشجيع شركات الفنادق العالمية ذات الانتشار الواسع حول العالم للدخول إلى السوق السعودية بهدف نقل خبراتها العريقة، والتي تمتد لدى بعضها لأكثر من مئة عام، إلى جانب تدريب الشباب السعودي وفقاً لأعلى المعايير الدولية في مجال الضيافة والفندقة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل بإيجاد خدمات فندقية تنافس مثيلاتها على الأقل إقليمياً.
لن أتحدث عن نمو نشاط شركات الفنادق العالمية في المملكة مؤخراً من المنظور الإحصائي (والمتوقع أن يتسارع في المستقبل القريب)، ولكني سأتحدث عن الأسباب الحقيقية لهذا النمو الكبير من خلال عقود الإدارة والتشغيل management and operating دون النظر إلى عقود حق استغلال الاسم التجاري franchise نظراً لإقبال شركات الفنادق العالمية القوي على عقود الإدارة والتشغيل التي تستهدف الدخول أو التوسع في نشاطاتها الفندقية داخل المملكة تحت إشراف هيئة السياحة والآثار ووفقاً لنظام الفنادق ولائحته التنفيذية (وإن كان هذا النظام ولائحته التنفيذية يحتاجون هم أيضاً إلى تطوير كبير)، ومع الأسف نجد هذا الدخول لا ينطوي على أي قيمة مضافة لقطاع الإيواء في المملكة سوى لمعان «الاسم التجاري» للشركة العالمية فقط.
من المسلم به في مجال الضيافة والفندقة حول العالم أن هناك «مالكاً» للفندق، وفي الجانب الآخر هناك «مشغل» للفندق، وعندما يتم توقيع عقد إدارة وتشغيل بين الطرفين فإن المشغل يصبح قانونياً هو المسؤول عن كل ما يحدث في الفندق أمام جميع الجهات الحكومية في أي دولة (مثل وزارة العمل والجوازات والدفاع المدني والأمن العام والسياحة إلخ) حتى إن العاملين في الغالب لا يعرفون اسم المالك ولا تربطهم به أي علاقة. أما في المملكة فالمعادلة معكوسة رأساً على عقب، حيث إن المالك (أو الكيان الذي يمثله) هو المسؤول نظاماً عن كل ما يحدث للفندق أمام هيئة السياحة ووزارة العمل والجوازات والدفاع المدني ووزارة الحج والمباحث إلخ حتى وإن كان هناك مشغل للفندق وهذا أمر غريب!!
فمثلاً، إن حدث حريق في فندق يعمل في المملكة -لا قدر الله- فأول شيء سيطلبه الدفاع المدني هو حضور مالك الفندق أو وكيله الشرعي للتحقيق معه على اعتبار أنه مسؤول عن الحريق، وإن كان عقد الإدارة والتشغيل مع المشغل يلزم المالك نظاماً بعدم التدخل في إدارة الفندق بأي حال من الأحوال، وهو أمر محبط!! والشيء نفسه ينطبق على بقية القطاعات الحكومية في المملكة التي لا تتعامل مباشرة مع شركات فنادق عالمية ولا تزال تصر على أن تتعامل مع شركات سعودية، سواء كانت مملوكة لمالك الفندق فقط (وهو السيناريو السائد حالياً) أو لمالك الفندق بالشراكة مع شركات فنادق عالمية (وهو استثناء مع الأسف).
محصلة ذلك أنه دون النظر إلى نمو قطاع الإيواء السياحي داخل المملكة، فإن شركات الفنادق العالمية اليوم وجدت دخول السوق السعودية (وهو بهذه الظروف) فرصة ذهبية لا تعوض بحيث تطبق السياسات التسعيرية الدولية نفسها في عقود الإدارة والتشغيل التي توقعها مع الملاك في المملكة، وهي مسألة غير عادلة على الإطلاق، بينما كان الأحرى تخفيض هذه السياسات التسعيرية مع المالك السعودي لتعكس الواقع المختلف بين ما هو مطبق داخل المملكة مع ما هو مطبق خارجها. وفي رأيي الشخصي إذا لم يتم معالجة هذا الخلل الآن فإن المعادلة في المدى الطويل ستعدل نفسها بنفسها ولكن بعد أن تبرز انعكاسات سلبية لن يمكن إصلاحها أبداً في ذلك الوقت!!