د. أحمد الفراج
دلف الواعظ إلى منزله، وطلب من أهل بيته أن يجهزوا له ملابس لائقة، فهو على جناح سفر خارجي، تلبية لدعوة من لا ترد له دعوة، وقد طلب منهم بخورا طيبا، ليبخر به مشلحه الفاخر، وثيابه الأنيقة، وهي ملابس صنعت أقمشتها في بلاد الروم، وبلاد بني الأصفر، وقد أوصى أهل بيته بأن ينتقوا له من الثياب أحسنها، ومن المشالح أفخمها، فوجهته القادمة تتطلب ذلك، وقبل أن يركب سيارته متوجها للمطار، تذكر أنه نسي جهاز الموبايل، المصنوع في فنلندا، وجهاز الحاسب الآلي، المصنوع في الولايات المتحدة، وهذان الجهازان ضروريان، فمن خلالهما يتواصل مع مريديه، ويحتسب ضد التغريب، والابتعاث، وعمل المرأة، وضد الليبراليين، والعلمانيين، وأنى له أن يفعل ذلك، دون اللجوء للتقنية، وهي التي يصارع من خلالها خصومه، وخصومه هم كل أحد، ويشمل هذا غير المسلمين، والمسلمين الذين على غير مذهبه، وكذلك المسلمين الذين على مذهبه، ولكنه يختلف معهم، كما أنه يعتبر الحكومة خصما له، فكل حراكها التنموي يخالف ما يعتقده، أما الذين ليس له خصومة معهم فهم أتباعه وحسب!
وصل صاحبنا إلى الدولة المضيفة، واستقبلته سيارات فخمة، وحملته مع مريديه، وفي الطريق إلى بيت مضيفهم، كانوا مشدوهين بذلك المبنى العظيم، فسأل صاحبنا أحد مرافقيه عن المبنى، فقال له أحدهم: «هذا يا شيخ استاد رياضي، يتم بناؤه لاستضافة بطولة عالمية»، فهمهم صاحبنا، وما هي إلا برهة، حتى توقفت السيارات عند إحدى الإشارات، فقال المرافق «المشاغب»: «انظر يا شيخ، هذه كنيسة»، فتجاهله الواعظ، وقال: «وأنتم ترددون ما يقوله المغرضون عن هذه البلاد، فمن يستمع للحاقدين سيسمع عجبا»، وبعد أن تناولوا طعامهم في بيت المضيف الفخم، دلفت بهم السيارات إلى الفندق المعد لإقامتهم، وعند أول تقاطع، صادفتهم امرأة محجبة، تقود سيارتها، فقال الواعظ لمرافقيه: «انظروا، ما شاء الله، أهل هذه البلاد ملتزمون بالشرع، هذه امرأة تقود سيارتها، ولكنها متحجبة، وملتزمة، فالحمد لله»، فقال له المريد المشاغب: «ولكنك يا شيخنا تظاهرت ضد قيادة المرأة للسيارة في المملكة، حتى ولو كانت متنقبة، وليس فقط متحجبة»، فرمقه الشيخ بازدراء، ولم يرد، وما أن وصلوا إلى الفندق، وذهب كل إلى غرفته، حتى طرق أحد المريدين غرفة الواعظ، وقال له: «علينا أن نغير هذا الفندق يا شيخ، فوالله إني رأيت رجالا ونساء يتعاطون الخمور في مقهى الفندق»، فنهره صاحبنا قائلا: «وما يدريك ما كانوا يفعلون، فلعلهم دخلوا هذا الفندق عنوة، وعندما يكتشف أمرهم سيتم طردهم لا محالة، افرنقع إلى غرفتك، فوراؤنا سفر من الغد».
في اليوم التالي، عاد الواعظ إلى المملكة، وقبل أن يصل إلى منزله، ورده اتصال هاتفي من قناة فضائية، فحل ضيفا عليها، ثم تحدث عن الولاء والبراء، وعن خطورة مشاريع التغريبيين الهدامة، والتي تهدف إلى اخراج المرأة من خدرها، وذلك بتشجيعها على العمل، وقيادة السيارة، ثم قطب حاجبية، وصرخ مستنكرا ما سمعه عن مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية، وعندما خرج من مبنى القناة، تشجع المرافق «المشاغب»، وقال له: «كنت أتوقع منك يا شيخنا، وبما عرف عنك من غيرة، أن تحتسب على ما رأيناه في البلد الإسلامي الذي قدمنا منه للتو، ولكنك لم تفعل»، ثم إنك غضبت على أحد الجهلاء، عندما أساء لرسولنا العظيم وفي هذا معك حق، ولكنك لم تغضب، وتحتسب، عندما ألف أحد الوعاظ سورة قرآنية، وعندما قال أحد أصحابك: «أغبط المسيحيين عندهم بابا، ونحن ما عندنا بابا»، وكذلك لم تفعل شيئا، عندما تجرأ صاحبك الآخر، وقال: «دبلتوا كبودنا بالتوحيد»، فغضب الشيخ، وقال له بلغة حادة: «ألم أقل لك إن لسانك طويل، وأنك تثير البلبلة بثرثرتك، اطردوا هذا المنافق، ولا أريد أن أراه أبدا، فنزل المريد من السيارة، وهو يقول: «أعصابك يا شيخ»، وفيما بعد، عرف المريد كامل الحكاية، بكل تفاصيلها الصغيرة!!.