د. جاسر الحربش
أسعدني الزميل العزيز أحمد الفراج بما كتبه في زاويته يوم الخميس الماضي عن الإسلاميين المؤدلجين الذين بدؤوا نفث السموم عن الملك الراحل المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز وعهده الفائض بالإصلاحات العلمية والحقوقية، والمتميز برفع سقف حريات الرأي الملتزم بهدف الإصلاح والتنمية، وبإصلاح القضاء وجعله أكثر فاعلية وسرعة بقدر ما سمحت به سنوات حكمه الحافلة بالعطاء والمحبة.
رحل عبدالله بن عبدالعزيز وخزائن الدولة ممتلئة، وترك أرقى جامعة علمية عالمية باعتراف جميع الأكاديميات المرموقة، وعشرين جامعة جديدة، وفتح الباب للمرأة المحتاجة أبواب العيش الشريف بالعمل، وأكسب وطنه بما كان له من هيبة ووضوح وجدية، مكانة عالية بين القيادات العالمية.
لا يتسع المكان لتعداد مآثر الراحل المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز، لأنني أريد أن أخصص المتبقي لتحديد موقف من أولئك الذين صمتوا أو نافقوا عندما كان حياً وحاكماًً، ثم طعنوا في سيرته بعد انتقاله إلى رحاب الله وحسابه.
نحن نعرفهم، كلهم أو على الأقل المتصدرين إعلامياً بينهم، أصحاب إسلام حزبي مؤدلج، أصحاب ولاءات عابرة لحدود الوطن إلى الخارج، يدعون المطالبة بالإصلاح ولا يرضيهم سوى ما هو مفصل على مفاهيمهم ومصالحهم وارتباطاتهم المؤدلجة سياسياً، مغلفةً بعباءات ومظاهر الدعاة الشرعيين. هم كثيرون ومعروفون ولهم أتباع في الأوساط الشعبية، هناك حيث تتغلب العواطف الدينية الجياشة على المقاصد الدينية العقلانية. أهم مصادر قوتهم هي قدراتهم الكلامية واستعداد الكثيرين من جماهيرهم لغض النظر عن هفواتهم وتناقضاتهم بين ما يعظون به وينهون عنه وبين استمتاعهم الباذخ بالحياة المترفة بالعرض والطول، في الداخل والخارج.
هم يدعون المطالبة بالحريات، ويستعدون السلطات بالليل والنهار على من يختلف معهم في الرأي أو المذهب أو المطالب بإعادة النظر فيما يجدونه مناسباًً لهم في المفاهيم والعادات الاجتماعية، على الرغم من ثبوت عدم الحاجة إليه وافتقاره إلى الدليل الشرعي ووضوح تعطيله للتنمية والحريات الأساسية.
مثلما أنهم بارعون في فنون الكلام والاستعداء والتحريض على المختلف، هم أيضاً بارعون في التلون حسب متطلبات الوضع السياسي الخارجي قبل الداخلي والمناسبة والزمان والمكان.
من أوضح علامات التلون والمراوغة عندهم وصف الإرهابي القاتل بالمجاهد على وسائل التواصل المجهولة المصادر ثم إعلان البراءة من الإرهاب في وسائل الإعلام المفتوحة، ومثل ذلك الترحم على ضحايا الإرهاب من المذاهب الإسلامية الأخرى بما يتناقض مع تاريخهم العريق في التكفير.
نحن نعرف أنهم عندما يقفزون قفزاتهم الجاهلية فوق إصلاحات الملك الراحل ويتجاهلون المحبة والقرب الذي حققه عند شعبه، إنما يحاولون اصطياد عدة عصافير بحجر الكلمة الواحد، الثأر من الإصلاحات التي تحققت رغم أنوفهم، والتملق للحكم الجديد، وكسب اعتبار وجاهي عند الأتباع، وها نحن قلنا كلمة الحق وحذرنا من استمرار النهج الإصلاحي القديم في العهد الجديد. لكن هيهات فحبل المراوغة الحزبية المؤدلجة قصير وفي النهاية لا يصح إلى الصحيح.