إبراهيم عبدالله العمار
الكثير من الناس يشتكي من رداءة البضائع الموجودة لدينا، وهي حقيقة، فالكثير من السلع المرصوصة والمعروضة سيئة الجودة، ولهذا الموضوع أبعاد أعمق من التحليل السطحي القائل «أنّهم» (أياً كانوا، التجار أو المُصنّعين إلخ) مهملون ولا يريدون إلا الربح. نعم، كل تاجر يريد الربح، والمال أساس كل تجارة، لكن سأقول شيئاً قد يفاجئ القارئ الكريم، وهو أننا نحن من أسباب رداءة البضائع الموجودة لدينا!
كيف؟ لأننا شعبٌ مهووس بالسعر فقط لا غير. لا نهتم بالجودة.
الذي لاحظته في الكثير من الناس – بل ربما كلهم – هو أن سعر السلعة هو المعيار الأساسي، وأحياناً يكون هو المعيار الوحيد، فإذا رأينا شيئاً في السوق فإن أول سؤال نسأله: كم سعره؟ وثاني سؤال: كم تقدر أن تخفض؟ وانتهينا! ينعدم لدى الكثير الاكتراث بمعايير أهم، وإنما السعر وكيف نخفضه أقل درجة ممكنة هو ما يهمنا، وهذا خطأ، فأهم شئ يجب التركيز عليه هو الجودة .. الجودة أولاً ثم السعر ثانياً، طالما السعر متناسب مع سعر السوق. إنما يكون السعر معياراً إذا تساوت السلع في الجودة. لكن يبدو أنه في ذهننا أن هناك مؤامرة ضخمة هدفها نهب أموالنا، وأن علينا أن نكافح هذه الحرب بأن نخفض و «نكاسر» كل سلعة مهما كانت، سواءً كنا نفاوض لشراء سيارة في معرض أو سيارة بلاستيكية من بائع الشارع!
من يشاهد آراء الناس سيلاحظ هذا أيضاً، ولنأخذ مثالاً، فلنفترض أن شخصاً سأل: أريد شراء مكيف هواء، مَن يقترح لي أفضل شيء؟ يأتي شخص ويقول: لقد جربتُ النوعية الفلانية، أنصح بها لأنها ممتازة. أول ما يسأل عنه السائل: كم سعرها؟ وإذا أتاه الجواب فأول شيء يقوله: أسعارهم غالية! لا يهتم بجودة المكيف، طريقة تصنيعه، كفاءته، سمعة الشركة المصنعة، مكان التصنيع، وما إلى ذلك. نريد أفضل المنتجات بأقل الأسعار، وهذا من المُحال، بل ستحصل على ما تدفع، فإذا لم تُرِد إلا دفع أقل الأسعار فمن الطبيعي أن يحاول التاجر أن يوفر لك أسوأ البضائع التي تتناسب مع سعرك، وسيستخدم أردأ المكونات وأرخص عمالة وأقل معايير الجودة وأضعف متطلبات السلامة، لأن هذه الأشياء مكلفة، والتاجر صار يدرك أنك لا يهمك غير السعر، فأعطاك ما تريد.
ماذا يحصل إذا ركزنا على السعر وليس الجودة؟ تنخفض الجودة، لا محالة. قد تقول: «لا بأس، فأنا يهمني السعر أكثر من الجودة، ولا أمانع لو انخفضت الأسعار والجودة معاً». لكن إليك الحقيقة المزعجة: عندما تركّز على السعر فإن الجودة تنخفض...والسعر يرتفع! هذه من حقائق السوق، وأُثبتت كثيراً بأقوى الطرق، من أشهرها تجارب إدوارد ديمينغ، وهو عالِم ذهب لليابان قبل عشرات السنوات لما كانت الشركات اليابانية تَصنع أردأ المنتجات، فقادهم لأن يصنعوا أجود المنتجات في العالم، وصارت كلمة «صُنِع في اليابان» علامة جودة بدلاً من وصمة عار، ويقول ديمينغ أن التركيز فقط على السعر والتكلفة يخفض الأسعار مبدئياً، ومن ثم على مر الزمن ترتفع الأسعار، ويصاحب ذلك انخفاض دائم في الجودة. والشائق أن نفس الأبحاث وجدت شيئاً مبشراً: التركيز على الجودة يرفع الجودة في السلع و يصاحب ذلك انخفاض في السعر بعد فترة من الزمن! فيصير لديك منتجات عالية الجودة بأسعار أقل من قبل.
إذا كان معيارك السعر فقط فسترتفع الأسعار وتقل الجودة، وإذا كان تركيزك على جودة السلعة مع أيضاً مراعاة السعر المعقول فسترتفع الجودة وينخفض السعر، فلا تجعل التكلفة هي المعيار الأهم بل الجودة أولاً ثم السعر.