عبدالعزيز السماري
صدر نظام مزاولة المهن الصحية بموجب المرسوم الملكي (م-59)، وتاريخ 4-11-1426، وجاء لتنظيم مزاولة المهنة للممارسين الصحيين على اختلاف المهن الطبية، ويتكون من إحدى وأربعين مادة، ويحدد من خلالها النظام شروط مزاولة المهنة وعلاقات الممارس الصحي بمرضاه، كما يحدد واجبات الممارس المهنية والأخلاقية تجاه مرضاه وزملائه.
في مسألة جهات المحاكمة والتحقيق تكمن الإشكالية النظامية، حيث تختص الهيئة الشرعية الصحية في مهمام التحقيق والمحاكمة في قضايا النظر في الأخطاء الطبية التي ترفع بها المطالبة بالحق الخاص مثل الدية والتعويضات المادية، ولها صلاحية في النظر في مختلف القضايا الناشئة من مختلف المستشفيات العامة والمتخصصة والخاصة، بينما ينص النظام على أن المخالفات الناشئة عن تطبيق هذا النظام ينظر فيها لجان تشكل بقرار من الوزير المختص.
من مهام هذه اللجان النظر في قضايا المسؤولية الجزائية الناشئة عن واجبات الزمالة والمسؤولية الاخلاقية والمدنية للممارس الصحي، كما تنظر في قضايا التعسف والتسلط المهني بين الزملاء، وقضايا هضم حقوق الممارس الصحي من قبل المؤسسة او المستشفى، وحسب اطلاعي يوجد في منطقة الرياض على سبيل المثال لجنة واحدة تحت إشرف إدارة المديرية العامة للشئون الصحية في منطقة الرياض، وترفض النظر في القضايا المقدمة لها من مستشفيات خارج وزارة الصحة، من المستشفيات الكبري في المنطقة، وذلك لحجة عدم الاختصاص.
وقد أدى عدم الوضوح في المرجعية النظامية للمستشفيات الكبرى إلى هضم حقوق المارسين الصحيين فيها، وجعلهم عرضة للتسلط والتعسف من قبل إما زملائهم أو الإدارة في المستشفى، كما أدي إلى ضياع الجهد والوقت لاستيفاء الحقوق، ويزيد من معاناتهم عندما لا يكترث المسؤول أو الوزير لتصحيح المرجعية النظامية لهؤلاء الممارسين في المستشفيات المتخصصة، وقد يكون ذلك له علاقة بوضع نظام مزاولة المهن الصحية تحت مسؤولية وزير الصحة الإدارية، مما يؤثر على استقلاليته، وقد يؤدي إلى تعطيله تماماً، كما يحدث في الوقت الحاضر عندما تأتي القضية من متشفى خارج مديرية الشئون الصحية، لذلك لابد من وجود نظام واضح يحدد مرجعية التحاكم للمستشفيات خارج نطام المديرية العامة للشئون الصحية.
هذا بالإضافة إلى أن وضع نظام مزاولة المهن الصحية تحت النظام الإداري التنفيذي غير صحي على الإطلاق، وقد يزيد من تعقيدات البيروقراطية والتهرب من المسؤولية عبر التجميد أو عدم التحويل وغيرها من الأغراض البشرية التي تحكمها العواطف والمصالح الشخصية، وينطبق ذلك على عشرات اللجان شبه القضائية في الوزارات الأخرى، و لازالت اللجان شبه القضائية تنتظر خروج نظام المحاكم المتخصصة إلى النور، وبالتالي إبعادها عن سلطة الانحياز الشخصي والتأثير الإداري.
يأمل كثير من الممارسين الصحيين أن يصحح معالي وزير الصحة الوضع الغامض الحالي لمرجعية التحاكم للقضايا الناشئة من تطبيق النظام في المستشفيات المتخصصة والكبرى في المملكة خارج إشراف المديرية العامة لشئون الصحية، كما يأملون من معالي وزير العدل النظر في خلل إخضاع لجان قضائية تحت سلطة إدارية تنفيذية، والعمل على إخراجها إن وجدت إلى محكمة متخصصة في القضايا الطبية الشرعية، وقضايا المسؤوليات المهنية والأخلاقية للمارسين الصحيين.
لا يخفى على متابع الازدياد الملحوظ لأعداد الممارسين الصحيين، ولغيرهم من المهنيين في التخصصات الكبرى، مما يعني ازدياد قضايا الحقوق والمسؤوليات المدنية والأخلاقية تجاه زملاء المهنة والمجتمع، لكن برغم من ذلك لايزال النظام لا يتطور لمواكبة التنمية البشرية المطردة في البلاد، ويزيد من ذلك عدم التجاوب من قبل المسؤول وغياب المرجعية النظامية لتصحيح مثل هذا الخلل، وهل على سبيل المثال لمجلس الشورى المسؤولية لتحديد المرجعيات التحاكمية لنظام المهن الصحية؟.. أم هي مسؤولية وزارة العدل أم الصحة؟.. حقيقة لا أعلم ولهذا قررت طرح هذا الرأي على طريقة لعل وعسى أن يتم تصحيح المرجعية النظامية للمستشفيات المتخصصة.