زكية إبراهيم الحجي
قرأت قبل فترة مقولة للشاعر والأديب الانجليزي «توماس إليوت» يتحدث فيها عن المعرفة والحكمة وكيف طغت المعرفة أولاً على الحكمة التي كانت سمة هامة يتصف بها ندرة من الناس قبل عصر انتشار المعرفة التي رافقت الثورة الصناعية في أوروبا..ثم ومع مرور الوقت طغت المعلومات على المعرفة ذاتها..ويبدو أن الشاعر»إليوت» الذي توفي عام 1965م قد صدق حدسه حيث إن مقولته نبهت إلى ما هو عليه عالم اليوم من هيمنة كاملة للمصادر المعلوماتية على عقول الناس ومشاعرهم ومواقفهم.
لنتخيل ما كان يمكن أن يقوله «إليوت» لو أنه كان معاصراً الآن حقبة الإنترنت والفضائيات والهواتف الذكية والرسائل الإخبارية عبر وسائل التواصل..ربما سيكون في دهشة من أمر هذا العالم وكيف أن مقولته أصبحت واقعاً جمع شتات العالم في قرية كونية صغيرة لا تؤمن بحدود أو فواصل..فالبشر في زمننا الحالي نادراً ما تتعمق في معرفة الأمور بل تكتفي بالمعلومة الموجزة السريعة.
في القرية الكونية الصغيرة أصبحت العقول البشرية تعتمد عل وسائل التقنية والبرامج الالكترونية حتى في العمليات الحسابية البسيطة وأصبحت آليات هذه البرامج أيضاً هي صلات التواصل بين الناس بدلاً من التفاعل الشخصي المباشر حتى في المنزل أو مكان العمل المشترك مما أدى إلى التفكك في الروابط الاجتماعية وندرة التواصل المباشر بين الناس، وفي ضوء مقولة «إليوت» فعندما نعود إلى الحكمة قبل أن تطغى عليها المعرفة نجد في الطب مثلاً أن الحكمة في العصور السابقة كانت أساساً في معرفة الأمراض ومعالجتها حتى إن الطبيب كان يطلق عليه «الحكيم» ومع التطور أصبح الطب معرفة ثم علماً قائماً بذاته وهكذا هو الحال في عموم العلوم حيث الاختصاص الذي يعني مزيداً من المعلوماتية اليوم ما يصنع رأي الناس هو المعلومات وهذا ما أدركه معظم صناع القرار.. وأدركته القوى التي تسعى للهيمنة على الشعوب أو التحكم في مسار أحداثها فيكفي أن تتحكم الآن في وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية كي تصنع رأياً عاماً مبنياً على ما تغذيه من معلومات قد لا يكون بعضها صحيحاً لكن يكفي أنها معلومة يتداولها الناس وتتناقلها وسائل التواصل أو تجوب أثير الفضائيات فتبدوكأنها حقيقة وتبنى على أساسها المواقف.. وهنا تكمن أهمية المعرفة وأهمية استحضار الحكمة لإثبات صحة المعلومة من عدمها.
كم حري بنا أن نستحضر الحكمة والمعرفة في ظل طوفان المعلومات الذي يبرمج مختلف أحداثنا وقضايانا الحياتية.