زكية إبراهيم الحجي
نسائمُ روحانيةِ، أيام مباركة نستقبلها بعاطفة لا تعرف الارتواء ولا الشبع.. ألطاف إلهية ونفحات ربانية تحتضن كياننا تلف ذواتنا.. تستنهض نفوساً غافلة لتستفيق من غفلتها وترتقي في عالم الشوق الإيماني.. توقظ أفئدة وأرواحاً وضمائر من سبات.. وتزيح غشاوة البصائر لتسمو الروح في فضاء شهر هو تاج لكل شهور العام بعظمته وبركته وسعة رحمة رب العباد فيه.
نسائم شهر رمضان المبارك هي نسائم فريدة في طهرها وصفائها نعيش روحانيتها بكل مشاعرنا وجوارحنا.. نحرّر فيها النفس من لهثِ ركضٍ زائف في دنيا غرَّبتنا عن كثير من أمور ديننا الحنيف وأنستنا الحنين لجنات النعيم.. فبات ضجيج الأمنيات والآمال لا يكاد يستكين وغدت همة النفس البشرية ثراء وثريا.. وسباقاً لا حدود له في ظل عولمة اخترقت جميع مفاصل حياتنا.. ويستمر صراع البقاء كأن لا فناء أو رحيل مباغتاً في أي لحظة من لحظات فصول الحياة.. فتعس عبد الدينار.. وتعس عبد الدرهم.. ويا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أدبر.
يا رب..كم هي النفس تواقة لنفحات روحانية تجود بها على عبادك الفقراء إليك في شهر هو خير من ألف شهر.. ويا ربي ما أحوجنا إلى نسائم الطهر المعطرة بعبق نفحات الإيمان تُعطر أنفاسنا وتشعل في قلوبنا شرارة الشوق واللهفة لنتَجَاوزِ حدودنا الضيقة في ارتباطنا وإخلاصنا وتعلقنا بك إلى فضاء أوسع وأرحب يمنحنا مزيداً من التوجه إليك والتعلق بك بقلب خاشع ودعوة صادقة أملاً في أجرٍ أعظم وثواب أوسع ومغفرة من رب كريم.
ما أعظم الإيمان الذي يعمر كل روح مؤمنة مستشرفة روابي الخير في شهر الخير.. وما أعظم التقوى تُزيّن النفوس المؤمنة الصادقة وما أجمل اللحظات الروحانية التي يجتمع فيها أبناء المجتمع المسلم بكافة أطيافه وطبقاته يمارسون عباداتهم.. ويؤدون الفروض الواجبة عليهم من صلاة وتراويح وقيام.. إنها لحظات تُلملم أشتات المجتمع لتنصهر في بوتقة واحدة.. تستشعر عظمة وفضل شهر كريم وتنهل من معينه الروحاني المبارك.. تتسابق لاستثماره حق الاستثمار قبل فوات الأوان.. هي لحظات عمر ثمينة نعيشها في شهر هو خير من كل الشهور.
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام
وشهرِ التراويح شهرِ العبر
أتانا شذاه بنفحةِ خيرٍ
ونفحةِ جودٍ وعطر الزهر