أحمد بن عبدالرحمن الجبير
على الرغم من التجربة السلبية لمؤسسات المجتمع المدني في دول العالم الثالث، وأعتبرها أدوات وأوكاراً للاختراق الأجنبي، وأن جهات التمويل تموّل لتحقيق أهداف وترجمة أجندات، فإن الواقع في بلدنا مختلف تماماً، فعمل مؤسسات المجتمع المدني مختلف لسبب رئيس، وهو أننا دولة ومجتمع له إمكانات وفيرة، وأبواب خير عديدة، فيكفي إلقاء نظرة على من حولنا لنكتشف كيف تحدث الصراعات وعمليات التمويل.
لعل السر في قوة مجتمعنا أنه ولله الحمد مجتمع متدين ومتماسك، وعصي على الاختراق، وهذا ما يجعلنا نحترم هذه المؤسسات، وندعم تواجدها على اعتبار أنها مؤسسات مدنية وسيطة بين الدولة - أعزها الله - والمواطن والمجتمع، وتقوم بأدوار وأهداف تدعمها الحكومة، والقطاع الخاص، وهي جزء رئيس من صلب رسالة الإسلام القائمة على العدل، والتعاون والبذل والتضحية.
شاركت قبل أيام في حلقة النقاش التي نظمتها مؤسسة «سعفة» بالتعاون مع جمعية «كُتَّاب الرأي حول مؤسسات المجتمع المدني»، والتي أقيمت في فندق الريتز كارلتون الرياض بدعوة كريمة من سمو الأمير تركي بن عبد الله رئيس مؤسسة «سعفة»، ومشاركة نائب رئيس نزاهة، ونائب رئيس كُتَّاب الرأي - الأستاذ خالد السليمان، ونخبة من كُتَّاب الرأي، والإعلاميين السعوديين، وكان هناك احترافية في التنظيم، والأداء والتقديم، ورقي في المداخلات تم خلالها تبادل الخبرات، والمطالبة بمزيد من مؤسسة المجتمع المدني في بلادنا.
«سعفة» هي مؤسسة مجتمع مدني ذات رسالة سامية تُعنى بنشر الوعي، والمعرفة والشفافية وتقديم الدعم لجميع القطاعات الحكومية، والخاصة من أجل تطبيق معايير الشفافية، وخدمة المجتمع المدني، ولديها جائزة سنوية تمنح للمؤسسات التي تعمل على ترسيخ وتأصيل قيم الشفافية والنزاهة والعدالة في المجتمع، وتقدم عدداً من البرامج والدراسات، والدورات التدريبية المتخصصة في مجال الشفافية والعدالة.
لقد استطاعت «سعفة» تقديم مبادرات جديدة ومتميزة، مثل محاربة الفساد، والتركيز على الأنظمة والرقابة الداخلية والنظام المحاسبي، والمالي وتعديل نظام المشتريات، وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، والحد من التصرّف غير المشروع في المال العام، ومراقبة المشتريات، وتطوير المؤسسات القضائية، ونشر ثقافة الحوار الوطني، وتطوير الأنظمة ذات العلاقة بالشأن العام وتفعيل آليات مكافحة الفساد، لأجل دعم حقوق وواجبات المواطنة.
إن تعزيز قيم الشفافية والنزاهة، ومكافحة الفساد في المجتمع السعودي أمر واجب، وعلى الفرد والمجتمع تحمل المسؤولية في مكافحة الفساد حتى يستمر المجتمع في مساره الصحيح، والقضاء على أية ممارسات مالية غير صحيحة، وأي محسوبية في التوظيف غير العادل ويفترض تنظيم دورات تدريبية لموظفي نزاهة في الرقابة المالية، والمشتريات، والمناقصات والمشاريع الحكومية لتحقيق العدالة ونمو متميز للمجتمع المدني.
فالاستثمار في مؤسسات المجتمع المدني قد لا يتاح، أو لا يجدي غدًا، فلماذا الإبطاء والتأخير ونحن بحاجة ماسة لمؤسسات مجتمع مدني مماثلة، وفي قطاعات متنوعة، والتي بدورها ستحرك التطور الاجتماعي، والنمو الاقتصادي، لدعم المواطن والمجتمع، فالجيل الجديد من شباب وشابات الوطن يمتلكون مهارات عالية وتقنية حديثة، ومتفوقون في أداء أعمالهم، لذا يفترض منحهم فرصة للعمل في مؤسسات المجتمع المدني.
نحن هنا نطالب بمزيد من الدعم الحكومي والخاص، وإزالة جميع العقبات التي تقف في طريق مؤسسات المجتمع المدني بما يفتح آفاقاً وفرصاً واعدة، من شأنها أن تسهم في نمو المواطن والمجتمع والوطن، ونأمل أن يكون هناك دعم مالي خاص من الدولة، والقطاع الخاص، فالأمر يتطلب من صنَّاع القرار مزيدًا من الدعم، وتفعيل التشريعات والتوعية، لتسهيل إنشاء مزيد من مؤسسات المجتمع المدني.
لقد سعدنا بلقاء أهل الخبرة، والاختصاص من شبابنا، وبما شاهدناه من حسن تنظيم رائع للمشرفين على «سعفة» الذي أثلج صدورنا، وهو بلا شك جهد تستحق مؤسسة «سعفة» عليه الشكر، وعلى رأسها رئيسها الأمير تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن صاحب الخلق الرفيع والشخصية الفذة التي اتسمت بحسن القيادة والكرم، والشكر موصول لجميع المشرفين والعاملين في «سعفة» على متابعتهم، وحرصهم على حضور ومشاركة الجميع، «فسعفة» ليست مؤسسة مجتمع مدني فقط، بل نموذج سعودي يُحتذى به.