أحمد بن عبدالرحمن الجبير
ضرورات عدة كانت وراء حل العديد من المجالس الحكومية، وإنشاء مجلس الاقتصاد والتنمية أحد أهم الأذرع الإدارية والتخطيط الحكومي، وكان تعيين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - رئيساً له ليُواكب حركة المتغيرات الاقتصادية العالمية المتطورة والحديثة، وتنوع مصادر دخل المملكة، ورفع كفاءة التخطيط الإستراتيجي ببعده الاقتصادي.
شاهدنا وجود فاعلية واضحة في الإجراءات والقرارات المدروسة والعاجلة من مجلس الاقتصاد والتنمية، ليس في المجال الخدمي أو اليومي فقط، بل كان لهذا المجلس بصمة على إستراتيجيات التخطيط الاقتصادي والتنموي في بلد يعيش مرحلة نمو لم يسبق لها مثيل في أعداد السكان، لكن هناك مخاطر من تراجع أسعار النفط، وربما عدم كفايته لاحتياجات المستقبل، لذا فإننا نقترح إيجاد صندوق سيادي محلي تحت مظلة مجلس الاقتصاد والتنمية.
لا يعقل أن تكون المملكة عملاق النفط بهذه المحدودية من التطور الاقتصادي النوعي في ظل انخفاض أسعار النفط، والذي سيكون له انعكاسات على التنمية، لذا يفترض فتح مزيد من النمو الاقتصادي، وهذا يحتاج إلى مشاريع عملاقة وإستراتيجية للاستثمار في الغذاء والصحة والتعليم والإسكان، والمياه والطاقة، ومعالجه البطالة، وتمويل المشاريع والطرق، وإنشاء الجامعات وتطوير المطارات والموانئ.
الصناديق السيادية تُعتبر أمراً ضرورياً ومهماً، وضماناً - بعد الله - للأجيال القادمة، وركيزة أساسية في اقتصاديات الدول، وأداة استثمارية مهمة، ووسيلة لتنويع مصادر الدخل، وفي السنوات الماضية نجحت بعض دول الخليج في الاستثمار فيها، وزيادة حجم استثماراتها في الداخل والخارج، وحققت أربحاً طائلة، لذا نتمنى أن يكون مجلس الاقتصاد والتنمية المبادر في تأسيس صندوق سيادي محلي في المملكة.
ما زالت مؤسسة النقد (ساما) تُوظف احتياطاتنا المالية في الخارج، حيث تبلغ قيمة الأصول (740) مليار دولار يستثمر منها (20%) فقط في الداخل و(80%) في الخارج وهناك اعتراضات على إنشاء صندوق سيادي من بعض المسؤولين عن اقتصادنا، وهذا يُعتبر أمراً متوقعاً، ولكن في كل دول العالم هناك صناديق سيادية عالمية كالصندوق النرويجي، والصيني، وصندوق الأجيال في الكويت، وصندوق أبوظبي، كل هذه الصناديق لمواجهة الأزمات، والمخاطر المالية التي قد تواجهها دولهم في المستقبل.
تنويع موارد الاقتصاد ومواجهة التحديات التي تلامس حاجات المواطن اليومية أمر مهم جداً، وأصبح إنشاء صندوق سيادي محلي أمراً ضرورياً للاستثمار فيه بما يخدم الأمن الاقتصادي، وتكون مرجعية الصندوق لمجلس الاقتصاد والتنمية، بحيث يتم إيداع نسبة من إيرادات النفط سنوياً في الصندوق، لتسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي، وتقلل من الاعتماد على النفط، وتقلبات السوق العالمية، وتأثير الأزمات الاقتصادية العالمية.
ولأن إنفاق الدولة ربما ينخفض مع هبوط النفط، ويكون هناك عجز في الميزانية وتتراجع احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية لكونها مرتبطة بالإنفاق العام للدولة، وينتج عن ذلك ضغط كبير على الريال، وترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية على المواطن، لذا يفترض المحافظة على الموارد المالية للمملكة، وتنميتها واستثمارها في صندوق سيادي محلي بحيث يكون مصدر دخل مستقلاً عن دخل النفط، ويدعم تطوير المشاريع والمرافق العامة، ويعزز النشاط الاقتصادي المحلي.
إن المبادرة من سموكم بإنشاء صندوق سيادي سعودي محلي يُعتبر قراراً مهماً، وعظيماً على مستوى الأمن الوطني، ومستقبل الأجيال القادمة، والذي سوف يعطي دلالة واضحة على أن المملكة لديها قوة اقتصادية عظيمة، وتنوع في الاستثمارات الاقتصادية، وقد يكون جزءاً منه دولياً، مثل الاستثمار في الأوراق المالية، والسندات والعقار، والمشاركة في شركات عملاقة لتنويع مصادر الدخل، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وهنا كلنا ثقة وأمل بأن يُوجه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - صاحب القرار والإرادة الحازمة بتأسيس الصندوق السيادي المحلي، تحت مظلة مجلس الاقتصاد والتنمية، ويعهد لإدارته هيئة مستقلة من أهل الاختصاص والخبرة من خلال فريق عمل متميز، ومتخصص ومحترف في التنمية الاقتصادية، لا يقل خبرة وكفاءة عن أي فريق عمل استثماري في العالم يتم اختيارهم من الكفاءات الوطنية الاقتصادية المحترفة.