د. عبدالواحد الحميد
جزيرتنا العربية ليست مجرد صحراء من الرمال كما يحلو للبعض تصويرها، فهي تضم كنوزاً من الآثار الرائعة التي حان الوقت لكشف الغطاء عنها وإخراجها للناس ليس فقط لكي يستمتعوا بها وإنما أيضا لكي يعرف العالم أن هذه المنطقة شهدت حضارات وثقافات ثرية وعديدة عبر تاريخها.
وقد كان الحديث عن الآثار في أوقات سابقة، عندنا، لا يتجاوز الهمس الحَذِر لأن هناك من لا يعترف بأهميتها ويرى ان ضررها أكثر من نفعها، وهي ـ برأي البعض ـ ليست سوى أحجار لا قيمة لها!
وقد ناضل آثاريون عديدون، وفي مقدمتهم الآثاري المؤسس والعالم الكبير الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري شفاه الله، لإثارة الاهتمام بالآثار ولفت الانتباه إلى الكنوز الأثرية الموجودة في بلادنا. ورغم العنت والمعارضة الشديدة التي واجهها وزملاؤه، واصل طريقه مع بعض تلاميذه الذين صاروا هم أيضا علماء آثار يُشار إليهم بالبنان وكشفوا عن تلك الكنوز وأجروا البحوث ونشروا الدراسات، فعرفنا أن جزيرتنا العربية ليست فقط مساحات من الكثبان الرملية وإنما هي مهد لحضارات عريقة، فضلاً عن أنها مهد الإسلام والعروبة.
هذا كله يمكن توظيفه لتقديم وجه حضاري مشرق وناصع لوطننا العزيز إلى العالم كي نقول أن حاضرنا التنموي الرائع يتوازى معه ماضٍ ثري أيضا. وقد كان حدثاً ثقافياً سعيداً ذلك القرار الذي اتخذته منذ أيام المنظمة الدولية للتراث العالمي (اليونيسكو) في اجتماعها الذي عقدته في مدينة بون الألمانية عندما أدرجت موقع الرسوم الصخرية في منطقة حائل ضمن قائمة التراث العالمي.
ومن المعروف أن بلادنا تضم مواقع أخرى جديرة بأن تكون ضمن قائمة التراث العالمي، وقد سبق أن تم ضم ثلاثة مواقع في كل من مدائن صالح والدرعية وجدة إلى تلك القائمة.
وعلى سبيل المثال، أتذكر في طفولتي وصباي أننا كنا نذهب بشكل جماعات مدرسية إلى مواقع للنقوش والرسوم الصخرية في الجبال الواقعة شمال سكاكا، وإلى منطقة الرجاجيل ودومة الجندل في الجوف، ونتامل الآثار البديعة التي زال بعضها أو تاثر بفعل عوامل التعرية أوبسبب غياب الاهتمام تفادياً للشبهات التي كانت تُثار حول كل ما له علاقة بالآثار.
أستطيع أن أرى الآن ثمار الاهتمام الذي بذله جيلٌ مؤسس من الآثاريين السعوديين، وما تبذله الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي قفزت بقطاع الآثار السعودي من المحلية إلى العالمية، وأتفاءل أن القادم سيكون أحلى وأبهى إن شاء الله.