يوسف المحيميد
في مرحلة الستينيات والسبعينيات كانت مناهج التعليم العام في العالم العربي، أثناء نشوء منظمة فتح وقبل ذلك، تفرد لفلسطين الصفحات والقصائد، وتغرس في وجدان التلاميذ في مختلف دول العالم العربي حب فلسطين، والأمل بالعودة إليها من جديد، فمن مر بتلك الفترة الزمنية لابد أنه حفظ عن ظهر قلب: فلسطين انت المنى والرجاء/ فلسطين شعبك لاقى العناء/ فلسطين انا حلفنا اليمين/
سنطرد منك العدو اللعين!
ذهبت فلسطين، ولم يعد العدو عدواً، أصبحنا نسميه في صحافتنا إسرائيل، ونسميه الكيان الإسرائيلي، ويشتم بعضنا بعضاً حول التخاذل في المواقف، ويتهم بعضنا بعضاً في التطبيع مع إسرائيل، بل حتى ظهر جيل جديد يرى أن إسرائيل ليس أكثر سوءا من بعض العرب، ومن ديكتاتوريي العرب، ومن حركات التطرّف الإسلامي، نعم لقد أصبحت إسرائيل أمراً عادياً ومسلّماً به، ومن لم يصدق الأمر فليطلع على موقع سناب تشات، الذي يخصص كل فترة لعرض مشاهد وثقافة مدينة، كانت آخرها تل أبيب، ومن شاهد بعض مقاطع الإسرائيليين وحياتهم وثقافتهم، يدرك أنهم لم يسرقوا الأرض فحسب، وإنما سرقوا الثقافة والحياة اليومية للفلسطينيين، كل شيء استلبوه، القهوة الفلسطينية لم تعد قهوتنا، والزيتون لم يعد زيتوننا، والزعتر البلدي لم يعد لنا، وربما حتى محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني يصبحوا يوما من أدبائهم!
صحيح أن هناك من بينهم عرب 48 الذين انصهروا في الحياة والطابع الإسرائيلي، ونقلوا ثقافتهم الفلسطينية، لكن ذلك لا يلغي قدرة إسرائيل على سرقة المطبخ الفلسطيني واللبناني في كل أنحاء أوروبا.
الغريب أن الإسرائيليين الذي ظهروا في موقع سناب تشات، كانوا يحملون المسؤولية تجاه مدينتهم تل أبيب، التي كانت القدس يوما ما، بينما قبل أشهر حينما خصص الموقع مدينته للرياض لايف، كان شبابنا من أكثر الخلق شراسة في التهكم والنيل من سمعة مدينتهم، وبطريقة محزنة، وغير مسؤولة، وكأنما لا يعرفون أن جميع صورهم الحية يراها العالم، ويكون فكرة سيئة عنهم وعن مدينتهم!
عوداً إلى صناعة الإسرائيليين لملامح مدينتهم، وكيف مثل شبابهم دور اللاعنصريين، وهم في أكثر دول العالم عنصرية وقمعاً، عبر عقود من السنوات مارستها الحكومة والجيش الإسرائيلي، وما تقوم به من بناء مستوطنات على أراض فلسطينية، ومع ذلك يظهر الشاب الإسرائيلي الذي يركب التاكسي وهو يعانق السائق الأسود، في إشارة واضحة لصناعة ميديا سريعة لتحسين صورة هذه الحكومة القمعية!
والغريب أننا منذ منتصف القرن الماضي، كل أفعالنا هي عبارة عن ردود أفعال، لا يمكن أن نبادر بخلق جديد نلفت به الانتباه، ها نحن الآن نشعل تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي ونطالب بتخصيص قطاع غزة كمدينة لايف، يستعرض فيها الفلسطينيون مدينتهم المحاصرة!
لماذا لم يبادر شباب العرب منذ محاولة إنقاذ غزة وفك الحصار عنها، بوضعها كمدينة تعاني الجوع وقلة المواد الغذائية والطبية، كي تصل الصورة أسرع إلى العالم؟.