أ. د.عثمان بن صالح العامر
# الوطن قيادة وشعباً وأرضاً
# الأمة العربية التي تشبه فقيدنا الراحل حالُه وهو في أيامه الأخيرة وقد أنهكه المرض وهده التعب بالحال التي أنت عليها اليوم .
# العالم السياسي والدبلوماسي شرقه وغربه، شماله وجنوبه، صغيره وكبيره.
إني معزيكَ لا أنِّي على ثقة ٍ
مِنَ الخُلودِ، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِهِ
ولا المُعَزَّى وإنْ عاشَا إلى حَينِ
# رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وأسكنه فسيح جناته، ورزقنا جميعا الصبر والسلوان، وأعاننا على ما أعانه عليه وما بعده .
# الإرث الثقافي والسياسي والدبلوماسي الذي خلّفه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل إرث ثمين وكنز معرفي عظيم، لا يمكنك أن تجده بين دفات الكتب ولا حتى في سيرة غيره «الأحياء والميتين من السياسيين والدبلوماسيين «، الأمر الذي حدا بالرئيس الأمريكي « باراك أوباما» بأن يصرح بكل شفافية ووضوح معترفاً بهذه الحقيقة (أجيال من القادة الأمريكيين والدبلوماسيين استفادت من رؤية الأمير سعود الثاقبة، ومن شخصيته وهدوئه وموهبته الدبلوماسية، ولذلك فإن العالم كله سيذكر إرثه).
# وحتى تكون لنا المبادرة الفعلية نحن في المملكة العربية السعودية في حفظ هذا الإرث الثريّ، من الضروري في نظري أن تنبري وزارة الخارجية السعودية بالتعاون مع مؤسسة الملك فيصل الخيرية ذات الأفق العالمي والبعد الثقافي الشمولي، ووزارة التعليم ممثلة بإحدى الجامعات السعودية المهتمة بتدريس السياسة، لجمع هذا الإرث التاريخي الذي امتد أربعين عاماً، عاشها الفقيد رحمه الله رحمة واسعة وهو في دهاليز السياسة ومنافحة السياسيين، وعايش عن قرب وبشكل يومي تجاذباتها المهولة، وخبر منعطفاتها المروعة، واستطاع ضبط موازناتها الصعبة، وتمرس على مراهناتها المختلفة، هذه هي المرحلة الأولى الأساس» الجمع والتصنيف».. وفي مرحلة ثانية الفهم والتحليل، إعادة قراءة هذا الإرث في ظل المعطيات الحالية والظروف الآنية والمستجدات العالمية، ولن يتحقق هذا المنجز الوطني النوعي المرتقب والمأمول إلا من خلال عمل مؤسسي مدروس يتوفر عليه جمع من الكتاب والمحللين المتخصصين في العلوم ذات الصلة، ومن بينها (السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع وعلم اللغات والنفس والاستراتيجيات والدبلوماسية)، ولعل المظلة التي يمكن أن تجمع هذا الفريق المتنوع هو «مركز متخصص بالاستغراب» يشرفُ بحمل اسم فقيد الأمة سعود الفيصل .
# أعرف أن ما خلّفه رحمه الله من كم معرفي ومواقف سياسية وخطب وكلمات ولقاءات ثنائية وجماعية رسمية وخاصة لا يمكن حصره في هذا الفن المعرفي الحديث النشأة المتعثر الخطى، ولكنه» الاستغراب» هو الأبرز في نظري والأهم في وقتنا الراهن، فضلاً عن أن سيرته رحمه الله ستكون الأس الصحيح الذي يقوم عليه هذا العلم بشكل علمي مدروس، فهو من أكثر الناس معرفة بالغرب (ثقافة، وسياسة، واقتصاداً، ومجتمعاً، ولغة، وتفكيراً، وتخطيطاً، وإعلاماً، ونظرة للآخرالقريب منهم والبعيد، ومنهجية لتغيير الرأي العام الغربي منه والعالمي، وغير ذلك كثير) وهذا هو الموضوع الأساس لما أطلق عليه «علم الاستغراب» في مقابل» الاستشراق».
# إن من بين أسباب تأزم العلاقة بين العالمين الإسلامي والعربي من جهة والغرب على الطرف الآخر عدم معرفة كل منهما للآخر، خاصة نحن الشرقيين للغرب جراء الكتابات التي لم تنصف أو أنها بالغة في التهويل وربما العكس، فكان الارتماء أو التفجير، والنتيجة في النهاية الواقع العربي المر، وقد ألمح رحمه الله لهذه الحقيقية في الكلمة التي ألقاها في جامعة أكسفورد اللندنية 26-02-2005م «...ائذنوا لي أن أقترح تفسيراً لمصطلحات (الاستشراق) و(الاستغراب) التي فرقت بيننا لمدة طويلة، حيث إن دلالة هذه المفاهيم يصعب تغييرها بمجرد التمني، لقد كان «كيبلينج» يعبر عن المعرفة الاجتماعية السائدة بمقولته: « الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا» التي لا يمكن التسليم بصحتها في عالم اليوم. إن قيم الشرق والغرب تتناظر باستمرار، مما يمنحنا آلية مقارنة يمكن لكل مجتمع عبرها أن يرى نفسه في مرآة الآخر، وهو ما اعتبره نظاماً أخلاقياً للتدقيق والتوازن إذا اختل التوازن في طرف ما أمكن تصحيحه في الطرف الآخر.».
# إن تخليد ذكر صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بمثل هذا المركز النوعي لن يكون مفخرة وطنية فحسب بل إنه سيؤثر فعلياً لا شكلياً في منهجية التفكير العربي إزاء الإسترايجيات العالمية كما كان هو- رحمه الله - ينظر ويفكر ويخطط بهدوء وروية وذكاء، كما أن هذا الصرح البحثي المتميز سيكون بمثابة المرشد والدليل الذي يضبط بوصلة التحر كات السياسية والثقافية، بل يوجه الرأي العام العربي من خلال الإعلام حين يتكرر المشهد العالمي ويعاد السيناريو لأي حدث مر في تاريخ مدرسة فقيد الدبلوماسية وزعيم وزراء الخارجية، والفوائد والنتائج المتوقعة من هذا الصرح العلمي المنشود أكثر من أن يحتويها مقال يدونه كاتبه وهو يعيش ساعات رحيل الفيصل الأولى وقد اعتصر قلبه الحزن عليه فجاء معزياً ملكه وولي عهده وولي العهد وأبناء الفيصل «إخوة الفقيد وأولاده وزوجته وأحفاده» والدوحة السعودية المباركة والشعب العربي المحب للفقيد الرمز والعنوان الفذ في الإخلاص والصدق والتفاني والعزة التي ارتسمت في شخصيته منذ الميلاد وحتى ساعة الفراق، رحمك الله أبا محمد وأسكنك فسيح جناته ورزق الأمة والوطن الصبر والسلوان على مر الفراق ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام .