محمد أبا الخيل
كثير من الكلام قيل حزناً وأسى على فقيد الأمة العربية، ومايسترو العمل الدبلوماسي العربي طوال أربعين سنة ونيف مضت، وقد اخترت من ذلك، تغريدة لسمو الشيخ عبد الله بن زايد على حسابه في (تويتر) قال فيها «ذهب الاستاذ وبقي منهجه» ولصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بيت شعر قال فيه: «قال الوداع وقلت يا سعود بدري.. قال المرض متعب ولا عاد بي حيل»
وجعلت منهما عنوان هذه المقال، فسمو الشيخ عبد الله عرف الأمير سعود رحمه الله كزميل عمل في لم الشمل العربي والدفاع عن مصالح الأمة، فكان تعبيره موافقا لما رأى وسمع ولاحظ من أقوال وأفعال للأمير المرحوم بإذن الله، فقد كان أستاذا في السياسة وكان أستاذا بالدبلوماسية وكان أستاذا بالإدارة وأستاذا بوضع استراتيجيات التأثير وتنفيذها ببراعة، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل عرف أخاه كإِنسان وكفرد من عائلة كبيرة، لذا كان تعبيره موافقا لما يشعر به كل السعوديون، فسعود الفيصل رجل ألف الناس طلته في كل محفل يتطلعون به لمجد يبنى لأمتهم، فارتبطت صورته في أذهانهم بالدفاع عن الأمة ومصالحها وأمنها، لذا ففقدانه لهم صادم وهم يعلمون ما فعل به المرض من إجهاد ويرونه وهو يستجمع الكلمات في المؤتمرات الصحفية التي يصر على التعبير فيدركون ما كان منه يعاني.
فقدان سعود الفيصل في ذاته لن يفقدنا إنجازاته وأعماله التي سادت جوانب حياتية كثيرة، فكما قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد سيبقى منهج سعود الفيصل يصبغ العمل الدبلوماسي العربي لعقود قادمة، ومنهجه رحمه الله يقوم على الوضوح والصراحة وتقديم الثقة على الشك، والعمل على بناء العلاقات مع الشعوب على أسس التكافي في الحقوق والعدل في المعاملة، لذا وخلال عمله كوزير للخارجية تميزت العلاقات السعودية مع معظم دول العالم بالوضوح والاحترام، وأصبحت المملكة من أكثر الدول نشاطاً في المحافل الدولية وأكثر الدول دعماً للأمن والسلام العالمي ودعماً لتنمية الشعوب المحتاجة، وفي نطاق أخص أصبحت المملكة بلا منازع قائدة للتنمية في العالم الإسلامي والمدافع عن حقوق المسلمين في البلدان التي يمثلون بها أقليات، سعود الفيصل كان هو الآلة التي لا تكل تحرك ذلك الدور العظيم للمملكة، ولا أحد ينسى أن سعود الفيصل قد تبنى أمنية والده الملك فيصل رحمه الله في الصلاة بالمسجد الأقصى تحت راية الدولة الفلسطينية، فصرف كثيرا من جهده لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
سعود الفيصل لم يكن العقل الدبلوماسي فقط، بل كان القلب والعاطفة الإِنسانية، فقد عرف عنه حبه للتعليم وسعيه المباشر من خلال مجلس الوزراء للمساهمة بتطوير التعليم، وكان واحداً من إخوته الذين أسسوا جامعة الفيصل وهي صرح تعليمي بات له وزنه الأكاديمي عالمياً، كما أسسوا جامعة عفت وهي جامعة البنات الأهلية الوحيدة بالمملكة وكذلك مدارس الفيصل، وفوق كل ذلك لا ينسى دورهم - أبناء الملك فيصل - في تأسيس مؤسسة الملك فيصل الخيرية وجائزته العالمية التي باتت أحد معالم المملكة الثقافية التي يفتخر بها كل أبناء المملكة، وهناك الجانب الإِنساني للأمير المرحوم بإذن الله، فقد عرفه عنه رعاية كثير من الأسر المحتاجة في بلدان مختلفة من خلال برنامج لم يعلن عنه وربما لا يجوز الإعلان عنه، حيث كان يرغب ببقاء ذلك أمرا شخصيا له.
كل ما عرفته عن الأمير المرحوم كان معلومات عامة أو هي روايات لمن عاشروه، فلم تتسنَ لي الفرصة لمقابلته والقرب منه ومع ذلك أشعر بفقدانه ويحزنني أنه عانى من المرض الذي قاومه بإصرار وصلابة.
رحمه الله رحمة واسعة وألهم أهله والمحبين له الصبر والسلوان وأن يهبه أجر من دعا له إنه سميع عليم.